الموسوعة الحصرية للمهن والأعمال التراثية
18 - مهنة ماسح الأحذية
لا تعرف مهنة ماسح الأحذية «البويجي» تاريخا محددا، ويرجح أنها ظهرت في أوروبا قبل أن تنتقل في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، إلى العالمين العربي والإسلامي، ففي مصر على سبيل المثال، مارسها الإيطاليون والأرمن، ثم علموها للمصريين، الذين ورثوا المهنة فور رحيل هؤلاء.
وفي أربعينيات القرن العشرين كانت القاهرة تضم حوالي 300 محل لماسحي الأحذية في الميادين والشوارع الرئيسية والمناطق التجارية، وعلى الرغم من أن البعض آنذاك، رأى أن المهنة سرعان ما ستتلاشى ثبت عكس ذلك، حيث استمرت وانتشرت فأصبحت مهنة من لا مهنة له، من العاطلين وصغار السن من أبناء الفقراء.
ونجد حاليا انتشارا كبيرا لماسحي الأحذية في جميع أنحاء القاهرة، واللافت في هذا الصدد أن لديهم أماكن ومحالا خاصة تتركز في قلب العاصمة القاهرة، فضلا عن المحافظات الأخرى.
تمسح يا بيه؟تمر عليه أو يمر عليك، إذ إن أغلبية ماسحي الأحذية يجولون طوال الوقت في مختلف الشوارع والمناطق، وأينما تتوجه أو تجلس في مقهى أو كافتيريا، أو حين تدخل إلى مطعم أو كازينو.
أو تمشي في شارع رئيسي أو فرعي، ستصادف من يحمل على ظهره صندوقا خشبيا يوجد على أحد جانبيه زجاجات الصبغة، ويحوي في داخله عدة التلميع وعلب «الورنيش» وفوطا عديدة لاستخدامات متنوعة. وهنا لا يتوانى لينادي عليك: «تمسح يا بيه» أو «تلمع يا باشا»،
وسرعان ما ينحني مادا كرسيا خشبيا صغيرا يضعه تحت قدميك، أو «شبشبا» بلاستيكا، أو كرتونة ورقية، فيلتقط الحذاء وينزوي به في أحد الأركان القريبة، ليبدأ في طلائه.
إن البعض من ماسحي الأحذية هؤلاء يتخذ من أماكن محددة في الميادين العامة، محلا لعمله، وهكذا يلفتك وأنت تمر بهم صوت خبط غير المشغول منهم، بالظهر الخشبي لفرشاته على الصندوق القائم أمامه، قاصدا بهذا لفت انتباهك لسؤاله المرمز، والذي فحواه: «تلمع يا بيه»، فإذا وافقت، عليك رفع حذائك على قاعدة الصندوق الخشبي، والتي تأخذ شكل نعل الحذاء، وعندئذ يبدأ هو في عمله.
يمتد حضور مهنة ماسح الأحذية في مختلف البلدان العربية والإسلامية، إلى سنوات كثيرة خلت، وهو ويتجلى حاليا، بشكل كبير، في شوارع وميادين العواصم الكبرى، مثل:القاهرة، دمشق، بغداد، بيروت، تونس المغرب، وغيرها الكثير.
انتعاش لا خفوت
رغم
ظهور أدوات متقدمة للتلميع وتنظيف الحذاء من ما يعلق به من أتربة، تفيد في
إتاحة القدرة على الاستغناء عن «البويجي»، نجد أن هذه المهنة لم تنقرض، لا
بل أخذت تزداد انتشارا.
ويعلل هذا الأمر، أحد ماسحي الأحذية في ميدان التحرير بوسط القاهرة، قائلا: البعض يعتبر مسح الحذاء في الشارع أو محل الأحذية متعة، بينما يكون آخرون مضطرين لذلك، خاصة رواد وسط القاهرة، القادمين لقضاء مصالحهم وإجراء لقاءات عمل، وهناك شريحة تفضل مسح الحذاء يدويا، أي لدى ماسح الأحذية».
ويسترسل في حديثه بهذا الشأن، موضحا ماهية تمسك الفنادق بالإطار التقليدي لحضور ووجود ماسح الأحذية في ردهاتها، لكن بشروط محددة، حيث يقول بهذا الخصوص:
«تعتبر بعض الفنادق أن ماسح الأحذية جزء من الفلكلور الشعبي، وبذا فإنها تخصص له مكانا في إحدى الردهات الرئيسية، على الرغم من وجود ماسحة أحذية كهربائية توضع عادة في جوار دورات المياه، وتصر كثيرا على حفظ هذا التقليد وفق نمط تحدده هي، إذ تقدم ل«البويجي» صندوقا جدرانه مغطاة بالصفيح، ومزين ببعض النقوش، وبالطبع «عدة الشغل»: الفرشاة وعلب الورنيش، وغير ذلك.
العدة القديمة أجود!
لا يغيب عن حكاية وقصة ماسح الأحذية، حول هذه المهنة، وحيثياتها ومدخلاتها، أي من الجوانب، فهو لا يغفل شرح وجه المقارنة بين الأدوات القديمة والحديثة فيها، مشددا على جودة الأولى، ويوضح في هذه النقطة:
«ان بعض أدوات
مسح الحذاء الجديدة مشكوك في جودة خاماتها، فأغلبها أصباغ مصنوعة من مواد
طيارة، ويعاني الكثيرون من تشقق جلد الحذاء، نتيجة استخدامها، أما مواد
الطلاء التقليدية «الورنيش»، فهي تحافظ على الجلد وتكسبه مرونة وطلاوة،
وذلك كونه يمتاز بتركيبة من الشموع النباتية، من عسل النحل وشموع معدنية من
مشتقات البترول،
فكان الحذاء القديم يصبغ بالصبغة أولا
ثم يأتى الورنيش بعد أن تخف الصبغة
وكان الورنيش ألوان منها اللون الأبيض للتلميع النهائى للحذاء
وكانت تضاف إلى الورنيش مادة «الترابنتينا» السائلة التي تطير
بسرعة، وهي تعطي للورنيش لمعانه.
وهكذا تنصهر المواد الشمعية والمعدنية تحت درجة حرارة معينة، وتضاف إليها الـ الترابنتينا السائلة، فتطير تاركة المادة اللامعة على الشموع، ويوضع سائل الورنيش في العلب فيتجمد في دقائق.
ولا يفوتني أن ألفت في هذه المحطة إلى أن الصندوق الخشبي هو من ضرورات المهنة، فإضافة إلى وضع القدم عليه، هو يحمل أمكنة مخصصة للأصباغ والفرش والفوط «قطع القماش»، ومواد صناعته بسيطة، وموجود بكثرة ويسر عند أي نجار، بتكلفة 50 جنيها، وأما الفرشاة فهي المعدة الكبيرة، والتي ينحصر عملها بتلميع الأحذية، وتصنع من شعر ذيل الحصان.
كما أن أدوات الطلاء وتلميع الأحذية تنتشر في كافة المحال ومراكز البيع الحديثة، حيث تتوفر الأدوات التقليدية، مثل علب الورنيش والصباغة والفرش والفوط، جنبا إلى جنب مع ما استحدث من أدوات أخرى.
«شغلة وملا شغلة»
ويعد ماسح الأحذية من المشاهد المتكررة في السينما المصرية، حيث يجلس صاحب النفوذ الثري أو التاجر أو المجرم أو البلطجي، على المقهى، وهو يدخن النرجيلة، بينما يبدو جالسا عند قدميه ماسح الأحذية وهو ينظف له حذاءه،
كما قام الفنان المصري سمير غانم بدور عبد السميع اللميع
«ماسح الأحذية» في مسرحيته «الأستاذ مزيكا»، التي تحكي عن ماسح أحذية يهوى
التمثيل بجنون، فيدفعه عشقه للفن للذهاب إلى الفنانة زمردة، التي تتبنى
الوجوه الجديدة، حيث تستغله بدورها، لحل مشكلة خاصة بها.
وكذلك في المسرحية الغنائية الكوميدية «بتلوموني ليه»، من تأليف وإخراج د.أحمد حلاوة، التي عرضت على مسرح الطليعة في مصر، برزت قوة تشويق ودلالات أغنية ماسح الأحذية والتي تقول كلماتها: مساح جزم.. وأنا الممسوح/ والدنيا سروح/ ألطف يا لطيف/ أحلامي راحت قدامى/ مع أيامي سرقها من عمري حرامي/ له سلطة مخيف.
فيلم عالمي عن «البويجي»
لم تهمل السينما العالمية هذه القضية، فهناك الفيلم الهندي «ماسح الأحذية»، الذي لعب بطولته طفلان، تدور أحداثه حول ولد يكافح من أجل لقمة العيش، ويأبى أن يكون متسولا للحصول على المال، فيعمل ماسحا للأحذية، وحين ما يستبد به وبأخته الجوع، فجأة، نجد أنها تبادر لأن تمد يدها بعفوية، فيضع أحد الأشخاص بعض النقود في يدها، معتقدا أنها متسولة، فإذا بها ترجو أخاها أن تشتري الطعام بهذا المال، ولكنه يوجه إليها لطمة شديدة ويرمي المال في الأرض، قائلا إنه أهون عليها أن تموت، على أن تحيا متسولة! وهكذا تتفاعل أحداث الفيلم لتصل إلى عوالم مهنة ماسح الأحذية.
18 - مهنة ماسح الأحذية
لا تعرف مهنة ماسح الأحذية «البويجي» تاريخا محددا، ويرجح أنها ظهرت في أوروبا قبل أن تنتقل في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، إلى العالمين العربي والإسلامي، ففي مصر على سبيل المثال، مارسها الإيطاليون والأرمن، ثم علموها للمصريين، الذين ورثوا المهنة فور رحيل هؤلاء.
وفي أربعينيات القرن العشرين كانت القاهرة تضم حوالي 300 محل لماسحي الأحذية في الميادين والشوارع الرئيسية والمناطق التجارية، وعلى الرغم من أن البعض آنذاك، رأى أن المهنة سرعان ما ستتلاشى ثبت عكس ذلك، حيث استمرت وانتشرت فأصبحت مهنة من لا مهنة له، من العاطلين وصغار السن من أبناء الفقراء.
ونجد حاليا انتشارا كبيرا لماسحي الأحذية في جميع أنحاء القاهرة، واللافت في هذا الصدد أن لديهم أماكن ومحالا خاصة تتركز في قلب العاصمة القاهرة، فضلا عن المحافظات الأخرى.
تمسح يا بيه؟تمر عليه أو يمر عليك، إذ إن أغلبية ماسحي الأحذية يجولون طوال الوقت في مختلف الشوارع والمناطق، وأينما تتوجه أو تجلس في مقهى أو كافتيريا، أو حين تدخل إلى مطعم أو كازينو.
أو تمشي في شارع رئيسي أو فرعي، ستصادف من يحمل على ظهره صندوقا خشبيا يوجد على أحد جانبيه زجاجات الصبغة، ويحوي في داخله عدة التلميع وعلب «الورنيش» وفوطا عديدة لاستخدامات متنوعة. وهنا لا يتوانى لينادي عليك: «تمسح يا بيه» أو «تلمع يا باشا»،
وسرعان ما ينحني مادا كرسيا خشبيا صغيرا يضعه تحت قدميك، أو «شبشبا» بلاستيكا، أو كرتونة ورقية، فيلتقط الحذاء وينزوي به في أحد الأركان القريبة، ليبدأ في طلائه.
إن البعض من ماسحي الأحذية هؤلاء يتخذ من أماكن محددة في الميادين العامة، محلا لعمله، وهكذا يلفتك وأنت تمر بهم صوت خبط غير المشغول منهم، بالظهر الخشبي لفرشاته على الصندوق القائم أمامه، قاصدا بهذا لفت انتباهك لسؤاله المرمز، والذي فحواه: «تلمع يا بيه»، فإذا وافقت، عليك رفع حذائك على قاعدة الصندوق الخشبي، والتي تأخذ شكل نعل الحذاء، وعندئذ يبدأ هو في عمله.
يمتد حضور مهنة ماسح الأحذية في مختلف البلدان العربية والإسلامية، إلى سنوات كثيرة خلت، وهو ويتجلى حاليا، بشكل كبير، في شوارع وميادين العواصم الكبرى، مثل:القاهرة، دمشق، بغداد، بيروت، تونس المغرب، وغيرها الكثير.
جنيه أو اثنان
كما
أن النسبة الغالبة من المشتغلين في هذه المهنة هم من الأطفال وكبار السن،
والميزة المهمة هي أن رأس مال هذه المهنة بسيط جدا، وهي أيضا لا تحتاج إلى
أي مهارات نوعية، حتى ليطلق عليها مهنة من لا مهنة له، لكنها في الوقت نفسه
مهنة تدر مبلغا لا بأس به، فأسعار تلميع الحذاء تتراوح في مصر مثلا، ما
بين جنيه واثنين، وفي الوقت نفسه هي لا تكلف شيئا، وهذا يعني أن تلميع عشرة
أحذية يمكن أن يدر عشرة جنيهات.انتعاش لا خفوت
ويعلل هذا الأمر، أحد ماسحي الأحذية في ميدان التحرير بوسط القاهرة، قائلا: البعض يعتبر مسح الحذاء في الشارع أو محل الأحذية متعة، بينما يكون آخرون مضطرين لذلك، خاصة رواد وسط القاهرة، القادمين لقضاء مصالحهم وإجراء لقاءات عمل، وهناك شريحة تفضل مسح الحذاء يدويا، أي لدى ماسح الأحذية».
ويسترسل في حديثه بهذا الشأن، موضحا ماهية تمسك الفنادق بالإطار التقليدي لحضور ووجود ماسح الأحذية في ردهاتها، لكن بشروط محددة، حيث يقول بهذا الخصوص:
«تعتبر بعض الفنادق أن ماسح الأحذية جزء من الفلكلور الشعبي، وبذا فإنها تخصص له مكانا في إحدى الردهات الرئيسية، على الرغم من وجود ماسحة أحذية كهربائية توضع عادة في جوار دورات المياه، وتصر كثيرا على حفظ هذا التقليد وفق نمط تحدده هي، إذ تقدم ل«البويجي» صندوقا جدرانه مغطاة بالصفيح، ومزين ببعض النقوش، وبالطبع «عدة الشغل»: الفرشاة وعلب الورنيش، وغير ذلك.
العدة القديمة أجود!
لا يغيب عن حكاية وقصة ماسح الأحذية، حول هذه المهنة، وحيثياتها ومدخلاتها، أي من الجوانب، فهو لا يغفل شرح وجه المقارنة بين الأدوات القديمة والحديثة فيها، مشددا على جودة الأولى، ويوضح في هذه النقطة:
فكان الحذاء القديم يصبغ بالصبغة أولا
ثم يأتى الورنيش بعد أن تخف الصبغة
وكان الورنيش ألوان منها اللون الأبيض للتلميع النهائى للحذاء
وهكذا تنصهر المواد الشمعية والمعدنية تحت درجة حرارة معينة، وتضاف إليها الـ الترابنتينا السائلة، فتطير تاركة المادة اللامعة على الشموع، ويوضع سائل الورنيش في العلب فيتجمد في دقائق.
ولا يفوتني أن ألفت في هذه المحطة إلى أن الصندوق الخشبي هو من ضرورات المهنة، فإضافة إلى وضع القدم عليه، هو يحمل أمكنة مخصصة للأصباغ والفرش والفوط «قطع القماش»، ومواد صناعته بسيطة، وموجود بكثرة ويسر عند أي نجار، بتكلفة 50 جنيها، وأما الفرشاة فهي المعدة الكبيرة، والتي ينحصر عملها بتلميع الأحذية، وتصنع من شعر ذيل الحصان.
كما أن أدوات الطلاء وتلميع الأحذية تنتشر في كافة المحال ومراكز البيع الحديثة، حيث تتوفر الأدوات التقليدية، مثل علب الورنيش والصباغة والفرش والفوط، جنبا إلى جنب مع ما استحدث من أدوات أخرى.
«شغلة وملا شغلة»
ويعد ماسح الأحذية من المشاهد المتكررة في السينما المصرية، حيث يجلس صاحب النفوذ الثري أو التاجر أو المجرم أو البلطجي، على المقهى، وهو يدخن النرجيلة، بينما يبدو جالسا عند قدميه ماسح الأحذية وهو ينظف له حذاءه،
وكذلك في المسرحية الغنائية الكوميدية «بتلوموني ليه»، من تأليف وإخراج د.أحمد حلاوة، التي عرضت على مسرح الطليعة في مصر، برزت قوة تشويق ودلالات أغنية ماسح الأحذية والتي تقول كلماتها: مساح جزم.. وأنا الممسوح/ والدنيا سروح/ ألطف يا لطيف/ أحلامي راحت قدامى/ مع أيامي سرقها من عمري حرامي/ له سلطة مخيف.
لم تهمل السينما العالمية هذه القضية، فهناك الفيلم الهندي «ماسح الأحذية»، الذي لعب بطولته طفلان، تدور أحداثه حول ولد يكافح من أجل لقمة العيش، ويأبى أن يكون متسولا للحصول على المال، فيعمل ماسحا للأحذية، وحين ما يستبد به وبأخته الجوع، فجأة، نجد أنها تبادر لأن تمد يدها بعفوية، فيضع أحد الأشخاص بعض النقود في يدها، معتقدا أنها متسولة، فإذا بها ترجو أخاها أن تشتري الطعام بهذا المال، ولكنه يوجه إليها لطمة شديدة ويرمي المال في الأرض، قائلا إنه أهون عليها أن تموت، على أن تحيا متسولة! وهكذا تتفاعل أحداث الفيلم لتصل إلى عوالم مهنة ماسح الأحذية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق