مقال أعجبنى فنقلته ثم دعمّته بالصور لتوضيج أجزاء النخلة
ثقافة النخلة
النخلة ربما تكون الشجرة الوحيدة في منطقتنا التي
صنفت فيها الكتب والموسوعات وأفردت معاجم خاصة بها, وذلك لأنها ارتبطت
ارتباطا كبيرا بالشعوب منذ قديم الزمان, هي الشجرة الوحيدة التي يجب أن
تخدم بالطريقة الصحيحة لكي يتمكن الفرد من الاستفادة منها, بقدر ما يخدمها
الفرد تعطيه. لا نعلم بالتحديد منذ متى عُرفت النخلة من قبل الشعوب التي
سكنت الخليج العربي إلا أننا نستطيع الجزم أنها كانت لها مكانة , فنلاحظ كيف
نقشت النخلة على الأختام الدلمونية ونلاحظ اسمها يتكرر في الأساطير
السومرية, يقول مايكل رايس (رايس 2002م) أنه وفق تقاليد سومر فإن النخلة قد
جلبت إلى أرضهم من الخليج للإكثار منها وقد نظر السومريون إليها باحترام
نظرا لجدب أرضهم وقد اعتبروها صهر النحاس إلا أن النخلة كانت الفائقة في
تقديرهم إذ كانت مكرمة في الشعائر والأساطير. ففي ترنيمة للآلهة ننسينا
تعلن فيها عراقة مدينتها أيسين فهي أقدم حتى من دلمون فتقول “بيتي وجد قبل
دلمون وكان طرازه من شجر النخيل”.
“كانوا يدللون ملوكهم كما تدلل نخيل دلمون”
لم تكن النخلة تُحترم فقط كرمز بل كانت النخلة نفسها تُحترم وتدلل كونها الشجرة الوحيدة التي تخدم بعناية فحتى التكاثر في النخيل
يفضل أن يقوم به الإنسان حتى يكون المحصول مضمونا ووافرا, وربما كان منظر
خدمة النخيل ورعايتها في دلمون مألوفا وهكذا خرج لنا هذا المثل السومري
“كانوا يدللون ملوكهم كما تدلل نخيل دلمون” الذي يصور لنا كيف كان
الدلمونيون يحترمون النخيل حتى أن كل نخلة كانت تدلل أي تعامل بصورة خاصة
حتى ضرب بها المثل في كثرة التدليل وهناك قصائد سومرية يظهر لنا فيها هذا
المثل جلي فيها فهذا هو الملك شلجي الذي حكم سومر بين (2094 ق. م.- 2047 ق.
م.) يسطر قصيدة يمدح فيها نفسه فيأتي في سياق الوصف :”أنت مدلل من قبل
ناينيجالا كنخلة في أرض دلمون المقدسة”.
الشجرة المقدسة عند الآشوريين
تم العثور على العديد من النقوشات التي تمثل شجرة
مقدسة عند الآشوريين وقد أطلق عليها اسم “الشجرة المقدسة عند الآشوريين”
ومن بين الرموز العديدة يبدو أن هذه الشجرة هي الأكثر نقاشا عند المؤرخين
فعلى مدى أكثر من 150 عام تم نقاش هذه الشجرة أو الرمز. في عام 2004م قدمت
ماريانا جيوفينو أطروحتها لنيل شهادة الدكتوراه والتي نشرت في عام 2007م في
صورة كتاب (Giovino 2007). وقد ناقشت الباحثة جميع المراجع ما بين الأعوام
(1849م – 2004م) التي درست ماهية هذه الشجرة المقدسة وقد تبين أن هناك
ثلاثة آراء حولها والرأي الأكثر رواجا بين الباحثين هو أن هذه الشجرة هي
النخلة, وأن بعض النقوشات التي عثر عليها توضح آلهة تقدس النخلة أو آلهة
تقوم بعملية التلقيح الصناعي للنخلة.
إن وجود قوانين تحث على الاهتمام بالنخيل يعتبر منطقي وذلك
لأنها شجرة مقدسة ومدللة فنقرأ في قائمة قوانين حمورابي القانونين رقم 64 و
65 حيث يرجح غالبية المترجمين على أنها تنص على إجبار ضامن الأرض على
الاعتناء بالنخيل وتلقيحها, وقد توارث شعب البحرين منذ القدم قوانين منظمة
للري وزراعة النخيل وقد كان المزارعين في قرى البحرين المختلفة تطبقه حتى
تم جمع مواد القانون ونشرها تحت مسمى قانون مياه النخيل الذي ناقشناه في
فصل سابق, وتنص إحدى تلك القوانين وهو القانون رقم 20:
” شروط التلقيح وهو قطع الكرب اليابس على الضامن قطعه في أحد
وقتين الأول بعد جمار النخيل بعد النبات ويجب على الضامن أن يترك دور واحد
يابس عن ضرر النخيل وفي الوقت الثاني في أول بشرة الرطب على أن يترك دورين
أو ثلاثة وإذا ترك الضامن التلقيح في الوقتين المذكورين فللمالك الحق أن
يؤجر على التلقيح وقطع الكرب اليابس من النخيل ويحسب المصرف على الضامن
لأنه ملزوم به كشرط أساسي إلا إذا سمح عنه المالك”.
على مر العصور لم يكن الشخص الذي يقطع نخلة متعمدا لينجو من
العقاب فنقرأ في لائحة قوانين حمورابي القانون رقم 59 الذي يجبر الشخص الذي
يقطع نخلة بدفع غرامة. وفي قانون شعب البحرين القديم الذي توارثه أهل
قراها فإن القانون يعاقب على قطع “سعفة” واحدة إما بالحبس أو الغرامة ونجد
التفصيل في القانون رقم 21:
“شروط قطع السعف اليابس يكون في أول طلوع الثريا أي وقت
ابتداء موسم البارح وإذا سمح المالك بقطعه قبل ذلك فلا بأس على أن يقطع
اليابس فقط ويترك الأخضر والوقت الثاني في نفاض إثمار النخيل فللضامن الحق
في قطع السعف اليابس فقط وإذا تعدى وقطع سعف أخضر يعاقب الضامن على قدر
جرمه إما بحبس أو غرامة حسب ما تراه المحكمة”
إما في حال سقوط نخلة فالقضية ليست بالسهلة فيجب أن تشكل لجنة
تحقيق لتتقصى الحقائق ليتم التأكد هل سقطت النخلة من جراء نفسها؟ أي أن
موتها طبيعيا أو أنها قتلت أي اجتثت من أرضها وهي لازالت على قيد الحياة,
هذا ما ينص عليه القانون رقم 22 من قانون مياه النخيل البحراني:
“النخلة الساقطة والميتة ليس للضامن فيها حق التصرف إلا بعد
كشف المالك أو من يقوم مقامه وإذا عمل بخلاف ذلك فهو مسئول للمالك عن ثمن
النخلة في ما لو كانت حية تثمر وإذا تعمد المالك عدم الحضور فللضامن حق
التصرف”
النخلة كانت ثروة لا تقدر بثمن في الحضارارت القديمة التي
قامت في منطقتنا وبسقوطها تسقط الحضارة وهذا كلام غير مبالغ فيه ويؤكد ذلك
دانيال بوتس (Potts 2002) في كتابه عن النخلة حيث يستشهد بما وثق عن الملك
الآشوري سرجون الثاني (721 ق. م. – 705 ق. م.) فبعد عودته منتصرا من حملة
شنها على المناطق الجنوبية الغربية من إيران قال مفتخرا “قطعت نخيلهم التي
يعتمدون عليها, ثروة منطقتهم”
أجزاء النخلة
هناك كم كبير من الأسماء التي تخص النخلة ولكل اسم
عدد كبير أيضا من المترادفات ومعاجم اللغة تزخر بها ومن تلك المترادفات
الأسماء المستخدمة في البحرين وشرق الجزيرة العربية بصورة خاصة والخليج
بصورة عامة وقد استخدمت هنا الأسماء العربية القريبة من لهجتنا وتركت
الغريب منها, وقد اعتمدت في إثبات المصطلحات على كتاب النخلة للسجستاني
(المتوفي 869 م) والمخصص لابن سيده ولسان العرب لابن منظور.
الجذع أسطواني مستقيم لا يتفرع ويكون عادة ذو سمك
واحد, وفي نهاية الجذع توجد أوراق خضراء وهي السعف و التي عادة ما تقطع بعد
يباسها ولكن تبقى قواعد تلك السعف أي الكرب محيطة بالجذع مما يعطي الجذع
الشكل المدرج. وعادة ما ينتهي الجذع ببرعم ضخم مستدير وهو منطقة نمو النخلة
وهي التي تحتوي على الجذب (تسميه العامة الجدب). وتكون القمة مغلفة بالليف
والذي يعمل بمثابة عازل يحمي القمة من تقلبات الجو.
السعفة عبارة عن ورقة مركبة تتكون من قاعدة عريضة
تسمى (كربة) وساق طويلة تسمى (جريدة) تنمو عليه وريقات تسمى (خوص) والمفرد
(خوصة), وينمو الخوص من قاعدة السعفة حتى نهايتها إلا أن الخوص الذي في
قاعدة السعفة يكون صلبا ومدببا على شكل أشواك يسمى (السلاء) ومفردها
(سلاءة) إلا أن العامة تسميه (سِلّا) والمفرد (سِلّاية). ويسمى الجزء
السفلي من السعفة (بالقذف) وتسميه العامة (الگدف) أو (الگادوف), ويطلق
الاسم الأخير على السعفة كاملة أي من القاعدة حتى قمتها عندما يجرد عنها
الخوص. والسعفة في بداية تكوينها تعرف محليا باسم (السِفّانة) وهي تؤكل من
قبل البعض.
تتكاثر النخلة خضريا وذلك بتكوين نخلة جديدة من أحد
البراعم الطرفية التي تنمو بها, وهناك نوعان من النخيل الجديدة التي
تتكون, الأول ويتكون من برعم طرفي قريب من قاعدة النخلة الأم وهو الأجود
للتكاثر ويسمى الفسيلة الأرضية, وقد ينمو برعم أبطي وهو برعم يوجد في إبط
السعفة أي عند الكربة من الداخل وينمو هذا البرعم ليصبح نخلة, وتكون مرتفعة
عن قاعدة النخلة وهذا يسمى (راكوب) وتسميه العامة (الكاروب) وهو لا يصلح
للإكثار. جاء في المخصص لابن سيده عن (الراكوب) :
“فإذا كانت الفسيلة في الجذع ولم تكن مستأرضة – أي
متمكنة فهي خسيس النخل ويسمى الراكب, أبو حنيفة هي الراكوب والركوب
واللاحقة ولا خير فيها, والركابة – الفسيلة تخرج في أعلى النخلة عند قمتها
وربما خرجت في أصلها وإذا قلعت كان أفضل لأمها”.
والحديث ذاته يروى عند العامة عن (الكاروب), يقول
الشايب (الشايب 2004م) في كتابه عن الأمثال المرتبطة بالنخلة في الإحساء في
شرح المثل الشعبي “أگول له كاروب يگول فسيلة” :
“الكاروب هو ما ينمو من خلال جذع النخلة ولا يصلح
أن يزرع أو يكون نخلة وبقاءه يضر النخلة بينما الفسيلة تظهر من عند جذر
النخلة”
الأزهار هي أعضاء التكاثر في النخلة وهناك زهور
مذكرة تسميها العامة (نبات) وبالعربية الفصحى تسمى (السَّف) وأخرى مؤنثة
تسمى (الطلع) حيث أن النخيل ثنائية المسكن أي أن أعضاء التذكير أو الزهور
المذكرة توجد على نبته مختلفة عن التي تنمو عليها أعضاء التأنيث, وتسمى تلك
التي تحمل الزهور المذكرة (فحال) وتسمى تلك التي تحمل الأزهار المؤنثة
(نخلة). وتكون الأزهار سواء المذكرة أو المؤنثة محاطة بغلاف خارجي بصورة
تامة, ويسمى هذا الغلاف (الكافور) أو (القفور) وتسميه العامة (گروف).
العذق هو ذلك الجزء من النخلة الذي يحمل الثمار أي
أنه أعضاء التأنيث في النخلة بعد أن تنضج. ويتكون العذق من العود أو الساق
الذي يربط العذق بالنخلة ويسمى (عرجون), ويرتبط بالعرجون زوائد تحمل
الثمار تسمى (شماريخ). ويسمى الجزء العلوي من الثمرة الذي يربطها بالشمراخ
(القمع) وتلفظه العامة (گمع).
إما الثمار فلها عدة مسميات بحسب مراحل النمو:
أ – الحبابو أو الحبمبو
تعرف أول مرحلة من تكون الثمرة باسم (الحبابو) أو (الحبابوك)
أو (الحبمبو) حيث تكون الثمرة كروية الشكل تقريبا وخضراء اللون, وهذه
تسمية محلية ولا أعرف ما يقابلها بالعربية الفصحى إلا أنه في كتب اللغة
عادة ما يعمم الاسم (خلال) على (الحبابو) في نهاية مرحلته ودخوله للمرحلة
الثانية التي تتميز بتغير في الشكل والحجم, وهذه الألفاظ العامية مشهورة في
الخليج بصورة عامة وبالخصوص البحرين وشرق الجزيرة العربية وشط العرب وقد
ارتبطت هذه التسميات بمثل شعبي مشهور هو “بعد ما رطبت ردت حبابو” أي بعد أن
نضجت وتحولت لرطب عادت لتبدأ دورة حياتها من جديد ويضرب عادة في الشيخ
الذي يتصابى أو يتشبب.
في نهاية فترة الحبابو وبداية مرحلة الخلال تتعرض الثمار
لعديد من الآفات والحشرات فيتساقط على الأرض ويرطب أي ينضج ويتغير لونه
للبني المسود ويعرف حينها باسم (الخمال) ويتم جمع الخمال وأكله وأحيانا يتم
نظم الحبابو في خيط على شاكلة عقد ويؤكل.
ب – الخلال
وهي المرحلة الثانية حيث تكبر الثمرة وتبدأ بالشكل
الكروي ثم تتحول تتدريجيا للشكل البيضاوي تقريبا, ويبقى لون الثمرة في هذه
المرحلة أخضر. وقد يتساقط الخلال ويرطب ويسمى أيضا حينها (خمال) ويؤكل.
ج – البسرة
وهي مرحلة تلون الثمرة فتكتسب اللون إما الأصفر
(كبسرة البرحي والبرحي) أو الأحمر (كبسرة المواجي والخنيزي) أو الأشهل أي
الأحمر المصفر (كبسرة الأشهل والحلاو) أو الأبيض (كبسرة الحلاو الأبيض).
وبعض أنواع البسر تأكل قبل أن ترطب كالبرحي والخنيزي.
عملية نضج البسر تسمى ترطيب فيقال رطبت البسرة أي نضجت فتصبح لينة ويتغير لونها للبني.
هي الثمرة عندما يتم نضجها فيتغير لونها للأسود وتفقد جزء من رطوبتها فتصبح جافة أو شبه جافة.
عندما لا يتم تلقيح النخلة أو لا تلقح بصورة جيدة
تنمو الأزهار الغير ملقحة لتتحول لثمرة لكنها لا تحتوي على بذور, وعادة ما
تكون هناك ثلاث ثمرات ملتصقة في قمع واحد, تعرف حينها هذه الثمار باسم
(الشيص) وهي تمر بنفس مراحل الثمرة الطبيعية لكن طعمها ليس جيدا. وفي اللغة
الفصحى يقال أشاصت أو شيصت النخلة أي أثمرت الشيص والعامة تقول (نخلة
مشيصة) و (شيصت النخلة).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق