الأحد، 20 نوفمبر 2022

اتباع الهوى

 

 


 

اتباع الهوى

 مفهوم اتباع الهوى:

   لغة : هو السير وراء ما تهوى النفس، وما تشتهي، بل ما تحب وتعشق .

   اصطلاحا : المراد باتباع الهوى في الاصطلاح الشرعي والدعوي: هو السير وراء ما تهوى النفس وتشتهي، أو النزول على حكم العاطفة من غير تحكيم العقل، أو رجوع إلى شرع، أو تقدير لعاقبة.

 حقيقة اتباع الهوى في ميزان الإسلام:

  اتباع الهوى المذموم في نظر الإسلام- وهو المذكور في المعنى الاصطلاحي- هو الذي عناه:

   قول الله:} فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا (135){ [سورة النساء] وقوله:} وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ (26){ [سورة ص] وقوله:} وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى(3)إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4){ [سورة النجم] } وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى(40)فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى(41){ [سورة النازعات] وقوله:} وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ (176){ [سورة الأعراف] وقوله:}وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ (50){ [سورة القصص] .. وآيات أخرى كثيرة.
   كما عناه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ:[ الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ ]رواه الترمذي وابن ماجه . وقوله:[...وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ]رواه مسلم وأحمد.

 أسباب اتباع الهوى :

  1- عدم التعويد على ضبط الهوى منذ الصغر : ذلك أن الإنسان قد يلقى من أبويه منذ الصغر حباً مفرطاً، بحيث يطغى هذا الحب على تنمية الضوابط الفطرية والشرعية التي لابد منها لتنظيم الرغائب أو الدوافع، فيكبر هذا الإنسان، ويكبر معه الانسياق وراء العواطف والرغائب، حتى لو كانت مخالفة للمشروع، إذ من شبّ على شيء شاب عليه، إلا من رحم الله، قال في"منهج التربية الإسلامية":"والأم التي ترضع طفلها كلما بكى، لكي يسكت، أو لأنها لا تطيق أن تسمعه يبكي، تضره بذلك؛ لأنها لا تعينه على ضبط رغباته، ولا تعوده على ذلك الضبط في صغره، فلا يتعوده في كبره، ومن منا تتركه ظروف الحياة لرغباته يشبعها كما يشاء؟! وذلك فضلاً عن أن المسلم بالذات ينبغي أن يتعلم الضبط، ويتعوده منذ باكر عمره ؛ لأن الجهاد في سبيل الله لا يستقيم في النفس التي لا تستطيع ضبط رغباتها، فتنساق معها، وكيف يمكن الجهاد بغير ضبط للشهوات والرغبات، حتى إن كانت في دائرة المباح الذي لا إثم فيه في ذاته، ولكنه يصبح إثماً حين يشغل عن الجهاد في سبيل الله:} قُلْ إِنْ كَانَ ءَابَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ(24){ [سورة التوبة]. فكل ما ذكرته الآية ليس محرماً في ذاته، ولكنه صار فسقاً وحراماً حين أصبح سبباً في القعود عن الجهاد في سبيل الله، وحين رجحت كفته في ميزان القلب على حب الله ورسوله، والجهاد في سبيله! فما الوسيلة للاستقامة على ميزان الله إلا ضبط هذه الرغبات، والاستغناء عنها حين تحول بين الإنسان وبين سبيل الله! والضبط مقدرة يتدرب الإنسان عليها، وعادة يتعلمها، وكلما تدرب عليها وهو صغير كان أقدر عليها، وأكثر تمكناً منها، فيجدها حاضرة في أعصابه حين تفجؤه الأحداث" .

  2- مجالسة أهل الأهواء ومصاحبتهم : ذلك أن العواطف تنمو بالمجالسة وطول الصحبة، وعليه فمن لازم مجالسة أهل الأهواء، وأدام صحبتهم؛ فلابد من تأثره بما هم عليه، لاسيما إذا كان ضعيف الشخصية، عنده قابلية التأثر بغيره من أولئك الناس..وقد وعى السلف هذا السبب، فأكثروا من التحذير من مجالسة أهل الأهواء، بل والتعامل معهم، فعن أبى قلابة قال:"... لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تجادلوهم، فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، أو يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون" . وأُثِرَ عن الحسن، وابن سيرين قولهما:"ولا تجالسوا أصحاب الأهواء ولا تجادلوهم، ولا تسمعوا منهم" .

  3- ضعف المعرفة الحقة بالله والدار الآخرة : ذلك أن من ضعفت معرفته بالله، وأنه وحده له الحكم، وإليه المرجع والمآب، وهو أسرع الحاسبين، كما قال سبحانه عن نفسه:} أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ(62){ [سورة الأنعام]، من كان كذلك لا يقدر ربّه حق قدره، وبالتالي يفعل ما يفعل غير مبال بما إذا كان ذلك يرضي الله أو يغضبه، ينجيه أو يهلكه. وقد لفت الحق سبحانه النظر إلى ذلك، وهو يتحدث عن الضالين والمكذبين، مبيناً أن السبب في ضلال هؤلاء وتكذيبهم إنما يعود إلى عدم معرفتهم بالله حق المعرفة، وبالتالي عدم تقديرهم له حق قدره، إذ يقول سبحانه: }وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ (91){ [سورة الأنعام]  }يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ(73)مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ(74){ [سورة الحج]  }قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ(64)وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ(65)بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ(66)وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(67){ [سورة الزمر].

  4- تقصير الآخرين في القيام بواجبهم نحو صاحب الهوى : فصاحب الهوى إذا رأى ممن حوله استحساناً لما هو عليه، أو سكوتاً وعدم إنكار بأي من وسائل الإنكار، فإنّه يمضي ويتمادى فيما هو عليه، حتى يتمكن الهوى من قلبه، ويسيطر على كل سلوكياته وتصرفاته. ولعل هذا هو السر في تأكيد الإسلام على مقاومة المنكرات، وعدم السكوت عنها ولكن بالأسلوب المناسب، ومع التكرار؛ نظراً لأن غالبها ناشئ عن اتباع الهوى؛ إذ يقول الحق سبحانه: }وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(104){ [سورة آل عمران] ويقول: }ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (125){[سورة النحل] ويقول: }وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا(63){[سورة النساء].
ولعله السر كذلك في حرص النبي صلى الله عليه وسلم على مجانبة من لمح فيهم ميلًا إلى الهوى، وعدم رحابة الصدر لهم، لعلهم يتوبون أو يذكرون: فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهُ:اعْتَلَّ بَعِيرٌ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ وَعِنْدَ زَيْنَبَ فَضْلُ ظَهْرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْنَبَ:[ أَعْطِيهَا بَعِيرًا] فَقَالَتْ أَنَا أُعْطِي تِلْكَ الْيَهُودِيَّةَ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَجَرَهَا ذَا الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمَ وَبَعْضَ صَفَرٍ . رواه أبوداود وأحمد. وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى أَهْلِي وَقَدْ تَشَقَّقَتْ يَدَايَ فَخَلَّقُونِي بِزَعْفَرَانٍ فَغَدَوْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ وَقَالَ:[ اذْهَبْ فَاغْسِلْ هَذَا عَنْكَ] رواه أبوداود وأحمد.

  5- حب الدنيا والركون إليها مع نسيان الآخرة : ذلك أن من أحب الدنيا، وركن إليها، ونسي الآخرة يتولد عنده سعي حثيث لتلبية كل ما يفرضه هذا الحب وذلك الركون- حتى وإن كان مخالفاً لمنهج الله- وذلك بعينه هو اتباع الهوى. وقد لفت المولى النظر إلى هذا السبب في قوله: }إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ ءَايَاتِنَا غَافِلُونَ(7)أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(8){ [سورة يونس].كما لفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم النظر في حديث:[ الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ]رواه الترمذي وابن ماجه .

  6- الجهل بالعواقب المترتبة على اتباع الهوى : فإن من جهل عواقب محظور من المحظورات؛ وقع في هذا المحظور دون أدنى اهتمام أو مبالاة. ولعل هذا هو السر في اهتمام الشارع الحكيم بالتذكير بالعواقب المترتبة على المأمورات والمنهيات، كما أشرنا إلى ذلك غير مرة فيما تقدم من آفات.

 آثار اتباع الهوى على العاملين:

  1- نقصان بل تلاشي الطاعة من النفس:  فمتبع لهواه يعزّ عليه، ويكبر في نفسه أن يطيع غيره: خالقاً كان هذا الغير أو مخلوقاً؛ بسبب أن هذا الهوى قد تمكّن من قلبه، وملك عليه أقطار نفسه، فصار أسيراً لديه ودافعاً له إلى الغرور والتكبّر، وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، فإمّا أن يطيع ربّه، وإمّا أن يطيع نفسه وهواه، وشيطانه، وهو ليس بمطيع ربّه، فلم يبق إلا أن يكون مطيعاً لهواه.

2-مرض القلب ثم قسوته وموته : فصاحب الهوى غارق في المعاصي والسيئات، وهذه لها آثار خطيرة على القلب؛ إذ إنها تنتهي به إلى المرض، ثم القسوة أو الموت، كما قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:[ إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ }كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(14){ [سورة المطففين] ]رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد . وإذا مات القلب، فماذا بقي لهذا الإنسان؟! وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:[ إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ]رواه مسلم وابن ماجه وأحمد .

3-الاستهانة بالذنوب والآثام : وذلك لأن المتبع لهواه قد قسا قلبه ومات، ويوم تقسو القلوب وتموت؛ تكون الاستهانة والاستهتار بالذنوب والآثام، والاستهانة بالذنوب والآثام هي عين الهلاك والبوار، والخسران المبين.

   4- عدم جدوى النصح والإرشاد : لأن المتّبع لهواه قد ركب رأسه، وصار عبداً لشهواته، وأنى لهذا أن يستجيب لنصح، أو ينفع فيه توجيه وإرشاد؟! ولا خير في قوم لا يتناصحون ولا يقبلون النصيحة    }فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُم (50){  [سورة القصص].

  5- الابتداع في دين الله : وذلك لأن صاحب الهوى يميل كغيره من البشر إلى إثبات ذاته ووجوده، وهو لا يرضى منهج الله طريقاً لتحقيق هذا الميل، فلم يبق إلا أن يبتدع منهاجاً يوافق أهواءه وشهواته، يقول حمّاد بن سلمة: "حدّثني شيخ لهم تاب - يعني الرافضة - قال: كنا إذا اجتمعنا فاستحسنا شيئاً، جعلناه حديثاً". والابتداع هو الضلال، وكل ضلال في النار، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم:[وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ]رواه أبوداود والترمذي-بنحوه- وابن ماجه وأحمد والدارمي .        

  6- التخبّط وعدم الهداية إلى الطريق المستقيم : فصاحب الهوى بعبوديته لشهواته وميوله، قد أعرض عن مصدر الهداية والتوفيق، فمن أين يأتيه التوفيق، والهداية إلى الصراط المستقيم؟! وصدق الله سبحانه إذ يقول: }أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ(23){ [سورة الجاثية].

  7- ضلال الآخرين وإبعادهم عن الطريق : ولا تقتصر هذه الآثار الضارة على صاحب الهوى، بل كثيراً ما تتعداه إلى الآخرين- لاسيما والسقوط، أو البعد عن الطريق سهل مرغوب فيه- وقد لفت سبحانه وتعالى النظر إلى ذلك في قوله:} وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ(119){[سورة الأنعام].

  8- الصيرورة إلى الجحيم وبئس المصير : فإن من عوقب بكل الآثار التي قدمنا، فإنما مأواه الجحيم، وصدق الله العظيم:} فَأَمَّا مَنْ طَغَى(37)وَءَاثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا(38)فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى(39){  [سورة النازعات].

 

 آثار اتباع الهوى على العمل الإسلامي :

  1- ضعف بل تلاشى كسب الأنصار : وذلك أن العمل الإسلامي إذا قام على أكتاف، أو كان في صفه من عرف باتباع الهوى، فإنه بذلك يسد الباب في وجه الأنصار الجدد، إذ ليس فيه حينئذ أسوة أو قدوة تغري بالالتحاق به، وبذْل الغالي والرخيص في سبيل نصرته، والمضي به قدماً إلى الأمام، وهذا بدوره يؤدي إلى طول الطريق مع كثرة التكاليف.

  2- تفريق أو تمزيق وحدة الصف : وذلك أن صف العمل الإسلامي إذا اشتمل على أصحاب الأهواء، فإنهم ينتهون به إلى التمزيق والفرقة، نظراً لضعف أو تلاشي مبدأ الطاعة عندهم.

  3- الحرمان من العون والتأييد الإلهي :  فسنة الله في خلقه مضت أنه لا يمنحهم العون أو التأييد إلا إذا كانوا أهلاً لذلك، حتى إذا مكن لهم يكونون كما قال سبحانه: }الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَر (41){ [سورة الحج].

 ولعمري فإن صاحب الهوى بمعصيته لربه ولرسوله، يكون سبباً في حجب هذا العون وذلك التأييد الإلهي للعمل الإسلامي.. وما زالت وصايا عمر لأمراء الجيوش الإسلامية وجندها، إبان الفتوحات الإسلامية ترن في الآذان؛ إذ قال لسعد بن أبى وقاص حين أمّره على العراق:" يا سعد لا يغرنك من الله أن قيل: خال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، فإن الله لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكن يمحو السيئ بالحسن، وإن الله ليس بينه وبين أحد نسب إلا بطاعته، فالناس شريفهم ووضيعهم في ذات الله سواء، الله ربّهم، وهم عباده يتفاضلون بالعافية، ويدركون ما عند الله بالطاعة، فانظر الأمر الذي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ بعث إلى أن فارقنا عليه فالزمه، فإنه الأمر، هذه عظتي إياك، إن تركتها ورغبت عنها حبط عملك، وكنت من الخاسرين" .
   علاج اتباع الهوى :

1-   التذكير بعواقب اتباع الهوى سواء على العاملين أو على العمل الإسلامي: فإن ذلك له دور كبير في تخليص النفس من أهوائها وشهواتها، مادامت مخالفة لمنهج الله ورسوله.
2- الانقطاع عن مجالسة ومصاحبة أهل الأهواء : مع الارتماء في أحضان أهل الصلاح والاستقامة، فإن ذلك يعين على تحرير النفس من وقوعها أسيرة الأهواء والشهوات.
3- التعريف بالله - عز وجل - حقّ المعرفة: فإن ذلك يولد في النفس حبّه وإجلاله، والنزول على حكمه في كل ما أمر به، وفي كل ما نهي عنه، بل ويربّي فيها كذلك مراقبته وخشيته، والطمع في جنته، ورضوانه، والخوف من ناره وعقابه.
4-حياطة الآخرين ورعايتهم لصاحب الهوى : تارة بالنصيحة المقرونة بآدابها وشروطها، وتارة بإيقاع السلوك الأمثل أمامه، وتارة بالعتاب، وتارة بالتوبيخ والتأنيب، وتارة بالهجر والقطيعة، إلى غير ذلك من أساليب، ووسائل الحياطة والرعاية.
5- الوقوف على سير أصحاب الأهواء وعاقبتهم : سواء كانوا من هذه الأمة أم من الأمم الأخرى؛ فإن ذلك يولد في النفس نفوراً من اتباع الهوى، لئلا تكون حديث كل لسان، ولئلا ينزل بها من العقاب مثلما نزل بهؤلاء.
6- الوقوف على سير وأخبار من عرفوا بمجاهدة نفوسهم وأهوائهم : وإلزامها بحدود الله مثل عمر بن عبد العزيز، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، والفضيل بن عياض، وعبد الله بن مبارك، وغيرهم، فإن ذلك يحمل على معنى الاقتداء والتأسي، أو على الأقل المحاكاة والمشابهة.
7- التحذير من الركون إلى الدنيا والاطمئنان بها: مع الربط الشديد بالآخرة بحيث يبتغي المسلم فيما آتاه الله الدار الآخرة، ولا ينسى نصيبه من الدنيا إن أمكن، وإلا آثر الآخرة عن الأولى.
8- الاستعانة الكاملة بالله عز وجل : فإنه سبحانه يعين من لجأ إليه،، ولاذ بحماه، وطلب العون والتسديد منه، وصدق الله إذ يقول في الحديث القدسي:[ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ]رواه مسلم والترمذي وابن ماجه وأحمد .      
9- مجاهدة النفس، وحملها قسراً على التخلص من أهوائها وشهواتها: من قبل أن يأتي يوم لا تملك نفس لنفس شيئًا، والأمر يومئذ لله.
10- التذكير بأن السّعادة والراحة والطمأنينة والفوز: إنما هي في اتباع المشروع، لا في اتباع ما تملي النفس وما تهوى، وصدق الله إذ يقول:} فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى(123) {[سورة طه] وقال سبحانه: } فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(38) {[سورة البقرة] .

تمت

من كتاب:"آفات على الطريق"  للدكتور/ السيد محمد نوح

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ألعاب زمان

قد يستحقر البعض أساليب اللعب زمان . ولكن بشئ من الإنصاف يمكن أن نعدد من المزايا التى فى تلك الألعاب بما يصعب حصره . وهنا نترك لكم ف...