الاثنين، 14 نوفمبر 2022

الرجل الصفر

 

 


 

الرجل الصفر

 ماذا أعني بالرجل الصفر:

أعني بالرجل الصفر: ذلك الرجل الذي يتصف بالسلبية، ودنو الهمة، ذلك الداء الخطير، الذي أصاب الكثير من المسلمين وخاصة الشباب والفتيات، وكما أن هناك رجلاً صفراً، فإن هناك أيضاً امرأة صفراً وكل ما يذكر في هذا الموضوع يشمل الرجال والنساء معاً إلا فيما يختص به الرجال من مجال. 

إن الموت نهاية الجميع لكن شتان بين من مات في أمر حقير، وبين من مات في أمر عظيم، شتان بين من يموت وهو على طاعة الله، وبين من يموت وهو على معصية الله، شتان بين من يموت وهو يحمل هم الإسلام، ويحترق قلبه لصلاح المسلمين، وبين من يموت وهو يحمل هم شهوات الدنيا ولذاتها.

 ألم يأن لشبابنا وفتياتنا أن يعلموا حقيقة الحياة والغاية التي من أجلها خلقوا؟! ألم يأن للران أن ينقشع عن القلوب قبل أن يجمدها هاذم اللذات؟! } أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ(16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(17){ سورة الحديد .  أيعقل أن يصل الأمر بمسلم، أو بمسلمة يحمل في قلبه لا إله إلا الله إلى مثل هذا الحد من الغفلة، والضياع، والحيرة، والتردد؟! إن:" لا إله إلا الله" نور في القلب، فهل انطفأ هذا النور؟ ورحم الله ابن القيم؛ حيث قال:" اعلم أن أشعة لا إله إلا الله تبدد من ضباب الذنوب، وغيومها بقدر قوة ذلك الشعاع وضعفه، فلها نور وتفاوت أهلها، في ذلك النور قوة وضعف لا يحصيه إلا الله تعالى . فمن الناس من نور هذه الكلمة في قلبه كالشمس، ومنهم من نورها في قلبه كالكوكب الدري، ومنهم من نورها في قلبه كالمشعل العظيم، وآخر كالسراج المضيء، وآخر كالسراج الضعيف، ولهذا تظهر الأنوار يوم القيامة بين أيمانهم، وبين أيديهم على هذا المقدار بحسب ما في قلوبهم من نور هذه الكلمة علماً، وعملاً، ومعرفة، وحالًا. وكلما عظم نور هذه الكلمة، واشتد؛ أحرق من الشبهات والشهوات بحسب قوته وشدته، حتى إنه ربما وصل إلى حال لا يصادف معها شبهة، ولا شهوة، ولا ذنباً إلا أحرقه، وهذا حال الصادق في توحيده، الذي لم يشرك بالله شيئاً. فأي ذنب، أو شهوة، أو شبهة دنت من هذا النور؛ أحرقها، فسماء إيمانه قد حرست بالنجوم من كل سارق لحسناته، فلا ينال منها السارق إلا على غرة وغفلة لا بد منها للبشر، فإذا استيقظ وعلم ما سرق منه استنقذه من سارقه، أو حصل أضعافه بكسبه، فهو هكذا أبداً مع لصوص الجن والإنس، ليس كمن فتح لهم خزانته، وولى الباب ظهره "ا.هـ فإلى كل من ابتلي بالسلبية، ودنو الهمة، إلى كل من ابتلي بهذا الداء أو بشيء منه أهدي هذه الكلمات والتوجيهات.ولقد جعلت لهذا الداء مظاهر، وأسباباً، وعلاجاً . 

 أهم صفات الرجل الصفر أو المرأة الصفر:

1- الخمول والكسل: فلا يكلف نفسه القيام بشيء، حتى في مصالحه الشخصية، بل ربما في ضروريات حياته: كالدراسة، أو الوظيفة، أوحتى بيته، فماذا نقول إذاً عن حاله مع الطاعات: من قيام ليل، وصلاة وتر، ومن السنن الرواتب، ومن صيام النفل، وقراءة القرآن... بل انظر لحاله من الفرائض، والتثاقل فيها، حتى أصبحت حاله شبيهة بحال المنافقين الذين قال الله عنهم:} وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا(142){[سورة النساء ] فكيف حاله مع قضايا المسلمين والاهتمام بها؟ وكيف يحمل هم هذا الدين والدعوة إلى الله؟ [اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ]رواه البخاري ومسلم وأبوداود والترمذي والنسائي وأحمد. هكذا كان يَقُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يردد هذا الدعاء علاجاً لهذه الظاهرة.

 2- الرضا بالدون مع القدرة على ما هو أفضل وأحسن: قال ابن الجوزى في "صيد الخاطر":" من علامة كمال العقل؛ علو الهمة؛ والراضي بالدون دنيء

ولم أر في عيوب الناس عيبا         كنقص القادرين على التمام         " .

 إني على ثقة أن في شبابنا، وفتياتنا، ورجالنا، ونسائنا خيراً كثيراً، وأن في وسعهم، وطاقاتهم؛ الكثير والكثير، ولكنها السلبية تلك الدال العضال، أعاذنا الله وإياكم منها. إن الله يربي المؤمنين على التطلع إلى أعلى المقامات، فيقول سبحانه على لسانهم:} وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا(74) {[سورة الفرقان] انظر:} وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا(74) {لم يقل سبحانه: واجعلنا من المتقين، ولكنها تربية على الهمة العالية، والعزيمة الصادقة: } وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا(74) {إن الله عز وجل يريد منك أيها المسلم، ويريد منك أيتها المسلمة: أن تكون ذا همة عالية، أن تكون إماماً للمتقين، وأن تكوني إمامة للمتقيات. والرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:[... فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ] رواه البخاري وأحمد . إن أقصى همة أحدنا إذا ذُكِرَتْ الجنة؛ أن يسأل الله الجنة، ولكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يربي فينا التطلع إلى أعلى المقامات، وعدم الرضا بالأمور الدنية؛ ولذلك:[فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ].

  3- التقيد بروتين الحياة وعدم التطلع إلى الجديد: اعتاد بعض المسلمين على نمط معين من الحياة، ودرج عليه، فيثقل عليه المشاركة، ويصعب عليه العمل، وكلما حُدِّثَ بأمر؛ كان الرد منه سلباً، حتى أصبح المسكين لا قيمة له، ولا ينظر إليه، ولا يسمع لكلمته، ربما مع سعة علمه، وعلو مركزه؛ رضي بالدون، ورضي برتابة الحياة، حتى ملها هو بنفسه، وأصبح يعيش في هامش الحياة لا معنى له، فكيف تريد من الآخرين أن يستجيبوا لك، أو حتى تسمع كلمتك؟  فإن الناس ينظرون إلى علو همتك، وإلى صدق كلمتك، وإلى عملك . إن بعض الناس إذا مات لا يبكيه أهله، ومدينته فقط، بل تبكيه الأمة بكاملها؛ لأن الأمة فقدته، لم يفقده أهله فقط، ولم تفقده مدينته، كل الأمة تبكي عليه؛ لأن الرجل كان رجلا ممتازاً، كان رجل معطاء، عاملاً، نشيطاً .

 وبعض الناس إذا مات بكاه أهله أياماً، وربما قالوا في قرارة أنفسهم: الحمد لله الذي أراحنا منه؛ لأنه كَلّ عليهم. 

لعمرك ما الرزية فقد مال         ولا شاة تموت ولا بعير

ولكن الرزية فقد فـذ              يموت بموته خلق كثير

وشتان بين هذا وذاك، فإن من الناس من همته في الثرى أي في التراب، وإن من الناس من همته في الثريا.  فكيف يرضى مسلم عاقل أن تذهب الأيام، والليالي، وهو على حاله بدون تطور ولا تقدم، اسأل نفسك كم عمرك الآن؟ وأسألك بالله هل أنت راض عن نفسك؟ ماذا قدمت خلال هذه السنوات؟ وهل أنت في تطور أم أنك ما زلت على حالك؟ إن المسلم العاقل، صاحب المبدأ، واليقين؛ لا يهدأ له بال، ولا يقر له قرار، حتى يقدم ما بوسعه، وحتى يتقدم، وحتى يكون غده أفضل من أمسه، قال ابن الجوزي:"ولله أقوام ما رضوا من الفضائل إلا بتحصيل جميعها، فهم يبالغون في كل علم، ويجتهدون في كل عمل، ويثابرون على كل فضيلة، فإذا ضعفت أبدانهم عن بعض ذلك؛ قامت النيات نائبة وهم لها سابقون، وأكمل أحوالهم؛ إعراضهم عن أعمالهم، فهم يحتقرونها مع التمام، ويعتذرون من التقصير، ومنهم من يزيد على هذا، فيتشاغل بالشكر على التوفيق بذلك. ومنهم من لا يرى ما عمل أصلًا؛ لأنه يرى نفسه وعمله لسيده، وبالعكس من المذكور عن أرباب الاجتهاد حال أهل الكسل، والشره، والشهوات، فلئن ارتدوا بعاجل الراحة؛ لقد أوجبت ما يزيد على كل تعب من الأسف والحسرة؟ ومن تلمح صبر يوسف عليه السلام، وعجلة ماعز -أي في التوبة- بان له الفرق، وفهم الربح من الخسران، ولقد تأملت نيل الدر من البحر، فرأيته بعد معاناة الشدائد، ومن تفكر فيما ذكرته مثلاً، بانت له أمثال، فالموفق من إذا تلمح قصر الموت والبعث فيه، وامتداد زمان الجزاء الذي لا آخر له؛ انتهب حتى اللحظة، وزاحم على كل فضيلة، فإنها إذا فاتت لا وجه لاستدراكها، أليس في الحديث يقال للرجل:[ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا] رواه الترمذي وأبوداود وأحمد . فلو أن الفكر عمل في هذا حق العمل؛ حفظ القرآن عاجلاً" اهـ .

 4- الاستجابة للنفس الأمارة: الاستجابة لشهواتها ولذاتها، حتى مات الشعور بالذنب والتقصير؛ لذلك ظن كثير من المسلمين أنه على خير، بل ربما لم يرد على خاطره أنه مقصر، فبمجرد قيامه بأصول الدين، وبمجرد محافظته على الصلوات، والتزامه في الظاهر؛ ظن في نفسه خيراً عظيماً، ولكن ما كيفية هذا القيام؟ وما حقيقة هذا الالتزام؟ وهل قبل الله منه أم لا؟ بل لماذا نسي مئات بل آلاف من الصغائر التي تجمعت عليه من الذنوب والمعاصي، ففي حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:[ إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ] رواه أحمد بسند حسن . فأعجبتنا أنفسنا وأعمالنا، فرضينا بما نحن عليه، وأعلنا الاكتفاء وعدم المزيد؛ فكانت النتيجة السلبية، ودنو الهمة، وعدم التطلع لما هو أفضل، وربما نظر أحدنا إلى من هو دونه في العبادات، فأعجبته نفسه، وتقاعس عن الكثير من أبواب الخير،وانظر لحال هذا الكناس وعزته: قال الأصمعي:" مررت بكناس في البصرة ينشد:

فإيـاك والسكـنى بأرض مذلـة          تعـد مسيئًا فيـه إن كنت محسنًا

ونفسك أكرمها وإن ضاق مسكن            عليك بها فاطلب لنفسك مسكنًا

 فقلت- أي الأصمعي-: والله لم يبق بعد هذا مذلة، وأي مذلة بعد الكنس؟ فقال الكناس: والله لكنس ألف مرة أحسن من القيام على باب مثلك". هكذا تكون عزة المسلم أيًا كان ذلك العمل الذي يقوم به ما دام يقوم به لله عز وجل.

5- كثرة الجلسات وضياع الأوقات: وهذا من أكثر المظاهر التي انتشرت أخيراً، فإنك تبحث عن شبابنا، ورجالنا، فتجدهم مساء كل يوم ربما في الاستراحات، وعلى الأرصفة، وعلى الشاطئ، وليس الخطر في الاجتماعات ذاتها، بل في كثرة الكلام دون عمل يفيد الأمة، وينفع الأجيال، وكثرة الجدال،  هذا إن سلمت الجلسات من الغيبة، والنميمة، وتنقص الآخرين، ومن وسائل اللهو المحرم، وإلا فإن الطامة أعظم . إنك لتتألم أشد الألم وأنت تعلم أن في تلك الجلسات أعداداً هائلة من أصحاب الطاقات، والمواهب، والعقول يلتقون في الأسبوع مرة واحدة على الأقل، أي في السنة ما يقرب من ( 48) لقاء واللقاء الواحد لا يقل عن خمس ساعات ربما تزيد أو تقل، فما هي النتيجة؟ بماذا خرجوا بعد هذه الاجتماعات الطويلة؟ وماذا قدموا لأنفسهم؟ وماذا قدموا لعقيدتهم؟ وما هي حصيلة العلم الذي كسبوه من هذه الجلسات؟  هذه إشارة سريعة؛ لنعلم حجم السلبية في مجتمعنا المسلم؛ وبالتالي حجم الخسارة لكثير من طاقتنا ومواهبنا. فلماذا هذا التنصل من الواجبات، والهروب من الواقع؟ أيعقل أنهم لا يعلمون أنهم مسئولون عن هذا الواقع المرير للأمة الإسلامية؟ أيعقل أنهم لا يعلمون أنهم مسئولون أمام الله عن هذا الواقع المرير، وعن حال الأمة الإسلامية؟ قد يقول قائل منهم:ماذا باستطاعتنا أن نقدم؟

 أقول: والله إن باستطاعتك الكثير لو فكرت أنت وأصحابك أن تستغلوا هذه الجلسات:لنفع أنفسكم ولنفع أولادكم وأهليكم، ثم بعد ذلك: لنفع أمتكم . إن من فكر؛ وجد . وإن من حرص، وحمل الهم؛ عرف كيف يعمل . أما الجلوس في المجالس، والكلام، والقيل والقال بما لا ينفع، فإن هذا ضياع للأعمال والأوقات، والطاقات، والمواهب، والأفكار، كل فرد منا عليه جزء من المسؤولية مهما كان:                 

لا تلم كفي إذا السيف نبا      صح مني العزم والدهر أبى

مرحبا بالخطب يبلوني إذا       كانت العلياء فيـه السببا

 6-عدم الاستعداد للالتزام بشيء: التهرب من كل عمل جدي، وعدم الاستعداد للالتزام بأي شيء ، وخداع النفس بالانشغال وهو فارغ. كم من الناس إذا كلف بأمر؛ قال: مشغول، وحقيقة أمره: أنه غير مشغول، أو أنه مشغول بمثل هذه الجلسات، واللقاءات . أو الانشغال في شهوات النفس، وملذاتها، أو التسويف، والتأجيل، وتأخير الأعمال، والغفلة، والنسيان المستمر لما كلف به، والأخطر من ذلك كله: النقد المستمر لكل عمل إيجابي، وتضخيم الأخطاء . كل ذلك تبرير لعجزه وسلبيته القاتلة. بعض الناس لا يعمل، ويا ليته لم يعمل فقط، بل جعل نفسه راصداً لأعمال إخوانه: مرة بالنقد، ومرة بالجرح، ومرة بالتثبيط والتخذيل والتنصل من المشاركة والعمل، وكلما طلبناه في مكان؛ قال لنا: مشغول، وكلما كلفناه بمشاركة؛ قال: لا أستطيع، بل كلما حدثناه في أمر؛ كان لنا مثبطاً ومخذلًا :

ولم أجد الإنسان إلا بسعيـه         فمن كان أسعى كان بالمجد أجدرا

وبالهمة العلياء ترقى إلى العلى          فمن كان أعلى همة كان أظهـرا

ولم يتأخـر من أراد تقدمـا         ولم يتقـدم مـن أراد تـأخـرا

    إذاً: فلكل شيء سبب، فإذا أردت أن تجعل نفسك في مكانها؛ فلتتخذ لها ما ترضاه أنت لها .

7- تعطيل العقل: وعدم التفكير، وإن فكر كثير من المسلمين والمسلمات، واستخدم عقله؛ فإذا هو يفكر فيما يحبه ويشتهيه كالرحلات، والصيد، والجلسات، والملذات، وكأنها الهدف الذي خلق له، فهبطت اهتماماته، وسفلت غاياته، فلا قضايا المسلمين تشغله، ولا مصائبهم تحزنه، ولا شئونهم تعنيه، وإن  حدث شيء من ذلك، فعاطفة سرعان ما تبرد، ثم تزول. نرى كثيراً من الشباب والفتيات وكثيراً من المسلمين أصحاب عقول وأفكار، فعطلوها حتى أصبحوا أصفاراً على الشمال: فإما تقليد، وإما تبعية   للآخرين عمياء، وإما سكر للعقل بشهواته حتى وإن كانت مباحة، وهذا كلام للجميع: للرجال والنساء، ملتزمين أو غير ملتزمين فلكل حظ ونصيب من تعطيل عقله. 

8- عقدة المستحيل ولا أستطيع ولا أقدر: مظهر من مظاهر السلبية، ودنو الهمة، كم من المرات نضع   بأنفسنا العقبات والعراقيل أمام كثير من مشاريعنا نحن، والواقع يشهد بهذا ،فلماذا عذر: مستحيل، وعذر  الاستطاعة . وعدم القدرة هي الورقة التي نلوح بها دائمًا، فنغلق نحن بأيدينا الأبواب في وجوهنا .

 والله لو فكرنا وحاولنا؛ لوجدنا أن كثيراً من العقبات التي تقف أمامنا إنما هي عقبات وهمية، وما هي إلا حيل نفسية . فكر جيداً، وارجع لنفسك، وحاسبها، وستجد أننا بأنفسنا نعيق أنفسنا عن العمل، فكل أمر بمقدور البشر أن يفعله، لا يمكن أبداً أن يكون مستحيلاً، سئل نابليون كيف استطعت أن تولد الثقة في نفوس أفراد جيشك؟ فأجاب: كنت أرد بثلاث على ثلاث: من قال: لا أقدر قلت له: حاول، ومن قال: لا أعرف قلت له: تعلم، ومن قال: مستحيل قلت له: جرب . هكذا إذاً فأقول لك: لا تيأس اجعل هذه الكلمة شعاراً لك لكل عمل تقوم به، فلكل مجتهد نصيب، وإن من أدمن قرع الباب؛ ولج .

كن رابط الجأش وارفع راية الأمل       وسر إلى الله في جـد بلا هـزل

وإن شعرت بنقـص فيك تعرفـه        فغذي روحـك بالقرآن واكتمل

وحارب النفس وامنعها غوايتها         فالنفس تهوى الذي يدعو إلى الذلل

9- التثبيط والتيئيس للآخرين: فإن الرجل الصفر لا يكتفي بعدم المشاركة، بل أصبح قاطع طريق، وعوناً للشيطان وحزبه، فتجده يختلق الأعذار والأسباب، وربما ألبسها الصبغة الشرعية ليبرر عجزه، وعدم مشاركته وصدق القائل:

لنا صاحب مولع بالخلاف      كثير الخطأ قليل الصـواب

ألد لجاجـاً من الخنفساء      وأزهى إذا ما مشى من غراب

 فليس لديه الشجاعة للاعتراف بالخطأ والتقصير، وليس لديه الاستعداد للعمل والمشاركة، ولكنه على أتم استعداد للنقد والتجريح، والثلب والتقبيح، فإلى الله وحده نشكو أمثال هؤلاء .ألا فليتق الله أولئك الإخوة الذين نصبوا أنفسهم مثبطين ومخذلين لإخوانهم، وقاطعي طريق للأعمال الخيرية في كل مكان . ولذلك، فنحن نقول: كن عوناً لإخوانك، أو على الأقل: اعمل ولو لوحدك، فإن الهدف واحد، والغاية واحدة . فإن لم يكن هذا ولا ذاك، فما أجمل الصمت، فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليقل خيرا أو ليصمت . وإن المثبط لإخوانه ليخشى عليه والله أن يبوء بإثمه وإثم الآخرين، وأذكّر هنا بقول الحق عز وجل:} لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ(25) { [سورة النحل] فليحذر أولئك النفر. 

10- الضعف والفتور أثناء أوقات العافية:فإنك تكاد لا ترى للرجل الصفر نشاطاً، ولا تعرف عنه جداً، فإذا ما وقعت مصيبة، أوفتنة، أو كان الخلاف؛ رأيته وأصحابه ينشطون، وحول الحرص على الدعوة يتحدثون، وبالتخطيط هم يلهجون، وفي الناس يصنفون ويقسمون. والوقائع والأحداث والفتن هي التي تميز بين أناس وأناس، فإن لكل من الحق والباطل رجالا، فكما أن الحق يحمله رجال وينافحون عنه، فكذلك الفتن لها رجال يحملونها ويدعون الناس لها، ويتحملون كبرها، ولكن بين حملة الحق والصابرين عليه، ودعاة الفتنة: جمهور يتنازعهم الخير والشر، ومن هنا ينبغي الحذر من دعاة الفتن، ومن يتأثر بهم من الرعاع، وضعاف النفوس، وأتباع الهوى .

 وما أجمل ذلك القول لعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه:" إن هذه القلوب أوعية، فخيرها؛ أوعاها للخير ،والناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة ،وهمج رعاع، أتباع كل ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق، أف لحامل حق لا بصيرة له ينقدح الشك في قلبه بأول عارض لشبهة، لا يدري أين الحق. إن قال؛ أخطأ، وإن أخطأ؛ لم يدر، فموقن بما لا يدري حقيقته، فهو فتنة لمن فتن به..." . هذه عشرة مظاهر من مظاهر الرجل الصفر . 

منقول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ألعاب زمان

قد يستحقر البعض أساليب اللعب زمان . ولكن بشئ من الإنصاف يمكن أن نعدد من المزايا التى فى تلك الألعاب بما يصعب حصره . وهنا نترك لكم ف...