القصيدة التي لم يشتهر منها غير بيت واحد وهو:
*يُعطيكَ من طَرَفِ اللِّسانِ حلاوةً
ويَروغُ منكَ كمـا يـروغُ الثّعلـبُ
ورغم أهمية البيت الذي يليه ولكن الناس لم تعره بالاً:
*وَصِلِ الكرامَ وإنْ رموكَ بجفوةٍ
فالصفحُ عنهمْ بالتَّجاوزِ أصـوَبُ
كل بيت في هذه القصيدة يعادل كتابا
أقرأها جيداً فهي من إحدىٰ القصائد الخالدة للشاعر/ صالح بن عبد القدوس -رحمه اللّٰه تعالىٰ- أحد شعراء الدولة العباسية؛
يقول فيها :
*فدَّعِ الصِّبا فلقدْ عداكَ زمانُهُ
وازهَدْ فعُمرُكَ مرَّ منهُ الأطيَـبُ
*ذهبَ الشبابُ فما له منْ عودةٍ
وأتَىٰ المشيبُ فأينَ منهُ المَهربُ
*دَعْ عنكَ ما قد كانَ في زمنِ الصِّبا
واذكُر ذنوبَكَ وابِكها يـا مُذنـبُ
*واذكرْ مناقشةَ الحسابِ فإنه
لابَـدَّ يُحصي ما جنيتَ ويَكتُبُ
*لم ينسَـهُ الملَكـانِ حيـنَ نسيتَـهُ
بـل أثبتـاهُ وأنـتَ لاهٍ تلعـبُ
*والرُّوحُ فيكَ وديعـةٌ أودعتَهـا
ستَردُّها بالرغمِ منكَ وتُسلَـبُ
*وغرورُ دنيـاكَ التي تسعىٰ لها
دارٌ حقيقتُهـا متـاعٌ يذهـبُ
*والليلُ فاعلـمْ والنهـارُ كلاهمـا
أنفاسُنـا فيهـا تُعـدُّ وتُحسـبُ
*وجميعُ مـا خلَّفتَـهُ وجمعتَـهُ
حقاً يَقيناً بعـدَ موتِـكَ يُنهـبُ
*تَبَّـاً لـدارٍ لا يـدومُ نعيمُهـا
ومَشيدُها عمّا قليـلٍ يَـخـربُ
*فاسمعْ هُديـتَ نصيحةً أولاكَها
بَـرٌّ نَصـوحٌ للأنـامِ مُجـرِّبُ
*صَحِبَ الزَّمانَ وأهلَه مُستبصراً
ورأىٰ الأمورَ بما تؤوبُ وتَعقُبُ
*لا تأمَنِ الدَّهـرَ. .. فإنـهُ
مـا زالَ قِدْمـاً للرِّجـالِ يُـؤدِّبُ
*وعواقِبُ الأيامِ في غَصَّاتِهـا
مَضَضٌ يُـذَلُّ لهُ الأعزُّ الأنْجَـبْ
*فعليكَ تقوى اللّٰهِ فالزمْهـا تفـزْ
إنّّ التَّقـيَّ هـوَ البَهـيُّ الأهيَـبُ
*واعملْ بطاعتِهِ تنلْ منـهُ الرِّضـا
إن المطيـعَ لـهُ؛ لديـهِ مُقـرَّبُ
*واقنعْ ففي بعضِ القناعةِ راحةٌ
واليأسُ ممّا فاتَ فهوَ المَطْلـبُ
*فإذا طَمِعتَ كُسيتَ ثوبَ مذلَّةٍ
فلقدْ كُسيَ ثوبَ المَذلَّةِ أشعبُ
*وابـدأْ عَـدوَّكَ بالتحيّـةِ ولتَكُـن
منـهُ زمانَـكَ خائفـاً تتـرقَّـبُ
*واحـذرهُ إن لاقيتَـهُ مُتَبَسِّمـاً
فالليثُ يبدو نابُـهُ إذْ يغْـضَـبُ
*إنَّ العدوُّ وإنْ تقادَمَ عهـدُهُ
فالحقدُ باقٍ في الصُّدورِ مُغَّيبُ
*وإذا الصَّديـقٌ لقيتَـهُ مُتملِّقـاً
فهـوَ العـدوُّ وحـقُّـهُ يُتجـنَّـبُ
*لا خيرَ في ودِّ امـريءٍ مُتملِّـقٍ
حُلـوِ اللسـانِ وقلبـهُ يتلهَّـبُ
*يلقاكَ يحلفُ أنـه بـكَ واثـقٌ
وإذا تـوارَىٰ عنكَ فهوَ العقرَبُ
*يُعطيكَ من طَرَفِ اللِّسانِ حلاوةً
ويَروغُ منكَ كمـا يـروغُ الثّعلـبُ
*وَصِلِ الكرامَ وإنْ رموكَ بجفوةٍ
فالصفحُ عنهمْ بالتَّجاوزِ أصـوَبُ
*واخترْ قرينَكَ واصطنعهُ تفاخراً
إنَّ القريـنَ إلى المُقارنِ يُنسبُ
*واخفضْ جناحَكَ للأقاربِ كُلِّهـمْ
بتذلُّـلٍ واسمـحْ لهـمْ إن أذنبوا
*ودعِ الكَذوبَ فلا يكُنْ لكَ صاحباً
إنَّ الكذوبَ يشيـنُ حُـراً يَصحبُ
*وزنِ الكلامَ إذا نطقـتَ ولا تكـنْ
ثرثـارةً فـي كـلِّ نـادٍ تخطُـبُ
*واحفظْ لسانَكَ واحترزْ من لفظِهِ
فالمرءُ يَسلَـمُ باللسانِ ويُعطَبُ
*والسِّرُّ فاكتمهُ ولا تنطُـقْ بـهِ
إنَّ الزجاجةَ كسرُها لا يُشعَبُ
*وكذاكَ سرُّ المرءِ إنْ لـمْ يُطوهِ
نشرتْـهُ ألسنـةٌ تزيـدُ وتكـذِبُ
*لا تحرِصَنْ فالحِرصُ ليسَ بزائدٍ
في الرِّزقِ بل يشقىٰ الحريصُ ويتعبُ
*يظلُّ ملهوفـاً يـرومُ تحيّـلاً
والـرِّزقُ ليسَ بحيلةٍ يُستجلَبُ
*كم عاجزٍ في الناسِ يأتي رزقُهُ
رغَـداً ويُحـرَمُ كَيِّـسٌ ويُخيَّـبُ
*وارعَ الأمانةَ؛ والخيانةَ فاجتنبْ
واعدِلْ ولا تظلمْ يَطبْ لكَ مكسبُ
*وإذا أصابكَ نكبةٌ فاصبـرْ لهـا
مـن ذا رأيـتَ مسلَّماً لا يُنْكبُ
*وإذا رُميتَ من الزمانِ بريبـةٍ
أو نالكَ الأمـرُ الأشقُّ الأصعبُ
*فاضرعْ لربّك إنه أدنىٰ لمنْ
يدعوهُ من حبلِ الوريدِ وأقربُ
*كُنْ ما استطعتَ عن الأنامِ بمعزِلٍ
إنَّ الكثيرَ من الوَرَىٰ لا يُصحبُ
*واحذرْ مُصاحبةَ اللئيم فإنّهُ
يُعدي كما يُعدي الصحيحَ الأجربُ
*واحذرْ من المظلومِ سَهماً صائباً
واعلـمْ بـإنَّ دعـاءَهُ لا يُحجَـبُ
*وإذا رأيتَ الرِّزقَ عَزَّ ببلـدةٍ
وخشيتَ فيها أن يضيقَ المذهبُ
*فارحلْ فأرضُ اللّٰهِ واسعةَ الفَضَا
طولاً وعَرضاً شرقُهـا والمغرِبُ
*فلقدْ نصحتُكَ إنْ قبلتَ نصيحتي
فالنُّصحُ أغلىٰ ما يُباعُ ويُوهَـبُ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق