الثلاثاء، 6 سبتمبر 2011

وسطية أهل السنة والجماعة


            

وسطية أهل السنة والجماعة
   نحمد الله أن جعلنا جميعاً من أهل السنة، ففي ذلك اصطفاء لنا، وتكريم من الله لمن كان كذلك، ونحمده أن جمعنا لنتدارس خصائصهم ومناقبهم العظيمة التي ميزهم الله بها عن سائر أهل الإسلام. وكما قال تعالى: }وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ (68) {سورة القصص . فإن الله قد اختار أمة محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأمم والملل، يقول تعالى: } ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ (32) {سورة فاطر . ويقول :} كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ (110) { سورة آل عمران . ويقول تبارك وتعالى: } وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا (143) {سورة البقرة . فهذه الأمة أوتيت الكتاب واصطفيت، واختار الله من هذه الأمة المصطفاة: طائفة بعينها هي في هذه الأمة كأمة الإسلام بين أهل الأديان وسائر الملل، وهذه الفئة والطائفة هي:"أهل السنة والجماعة" ولهذه التسمية مدلولها، ففيها وبها يتميز المنهج والخاصية العظمى لأهل السنة والجماعة.
من خصائص أهل السنة والجماعة:  
1 - يتمسكون بكتاب الله  وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم:
 قولاً وعملاً ، واعتقاداً ظاهراً وباطناً، فلا يأخذون دينهم وإيمانهم من غير كتاب الله وسنة رسوله كائناً من كان ذلك المصدر، ولا يقدمون بين يدي الله ورسوله، ولا يرضون أن يرفع أحد صوته فوق صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بأن يحْدِث في هذا الدين أمراً مخالفاً لهدْيه، مجانباً لسنته.
    وبضدها تتميز الأشياء فإذا قارنا بين هذا المنهج العظيم، وبين غيره من المناهج؛ فإن الفرق يبدو جلياً واضحاً، ولسنا في صدد تبيان تلك المناهج بالتفصيل، ولكن لو نظرنا نظرة إجمالية ، لوجدنا أن المناهج هي في الأصل ثلاثة :
المنهــــــج الأول :الذي ينحى المنحى العقلي، الذي يدعي بزعمه العقل، وتحكيم العقل والمنطقية، والنظريات العقلية.
والمنهج الثاني:الذي يستمد من الكشف أو الذوق أو الوَجْد وما شابه ذلك، أي المعايير غير العقلية: معيار العاطفة أو الظن.
وبإيجاز نقول: أن الأول هو منحى أهل الكلام عموماً من معتزلة وأشعرية ومن جرى مجراهم، وهذا المنحنى يجعل الدين والإيمان والعقيدة: فكرة عقلية .
والمنهج المضاد، وهو الثاني: هو منهج أهل التصوف والتفهم بغير المشروع، وهؤلاء يجعلون الإيمان والعقيدة: تجربة روحية .
وميز الله تبارك وتعالى أهل السنة والجماعة بالرجوع إلى الكتاب والسنة، كما قال الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: }قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ (45)  {سورة الأنبياء. فعرفوا للعقل قيمته ومنزلته، وعرفوا للحقائق والأذواق الإيمانية الحقَّة قيمتها ومنزلتها...ولا يوجد عند أهل السنة والجماعة تصور معارضة، أو تضاد بين العقل الصحيح وبين الوحي... ولا بين الذوق الإيماني الصحيح وبين الوحي، فضلاً عن أن يقولوا كما قال أولئك:عند التعارض يقدم العقل، أو يقدم الكشف، أو يقدم أي شيء غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بل إن من أصول أهل السنة والجماعة: أن أقوال أئمة أهل السنة والجماعة ابتداءً من الصحابة الكرام، ومروراً بالتابعين، ثم بالأئمة الأربعة والسلف الصالح أجمعين أقوال هؤلاء- على الرغم من قدرهم وفضلهم - لا يمكن أن يعارض بها نص من الكتاب والسنة على الإطلاق، وبهذا تميز منهج أهل السنة والجماعة.
2 -  قيام منهجهم على العلم:
فهم في كل أمر، وفي كل حكم يطلبون الدليل من الكتاب والسنة، ولهذا نجد أن علماء أهل السنة والجماعة:أكثر طوائف الأمة حرصاً على السنة وتدويناً لها وحفظاً ، وإن وجد من غيرهم من يهتم بها، فهو لخدمة هوى في نفسه، أو ليخلط حقاًّ بباطل، ولا يخلوا من ذلك... أما أهل السنة والجماعة: فيهتمون بكتاب الله عز وجل حفظاً وتلاوةً، ويهتمون بسنة النبي  حفظاً وفهماً، وكذلك تصحيحاً وتضعيفاً... فالحديث الضعيف فضلاً عن الموضوع لا يعتد به، ولا يعمل به، فضلاً عن الكشوفات أو الآراء أو المنامات التي يعتمد عليها غيرهم.
فهم إذا: يتميزون بالبصيرة وبالمنهج الصحيح، وهو منهج العلم المتلقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بواسطة الرجال الثقات الذين لم تشهد أمة من الأمم على الإطلاق مثلهم في الحصر والضبط والدقة والفهم والاستنباط.
3 -  أنهم وسط:
وكما أن هذه الأمة - أي أهل القبلة عموماً - جعلها الله تبارك وتعالى أمة وسطاً ، فأهل السنة هم وسط أهل هذه الأمة وخيارها، وهم أصحاب المنهج الوسط في هذه الأمة، وهذه الوسطية تتجلى في أمور الإيمان والعقيدة جميعاً، ونوجز ذلك بما يتضح به هذا المنهج القويم:
 1) فهم وسط في صفات الله تبارك وتعالى :
 وقد ضلت طوائف في هذا الباب: فمنهم من أثبت وغلا في الإثبات؛ حتى مثَّل الله تبارك وتعالى بخلقه، وهؤلاء هم أهل التمثيل أو التشبيه، وهؤلاء سماهم السلف: عبَّاد صنم؛ لأنهم جعلوا صفات الله تبارك وتعالى مماثلة لصفات المخلوقين!! وفي المقابل: نجد أولئك الذين نفوا صفات الله ، وغلوا بالتنزيه - بزعمهم - حتى لم يثبتوا لله شيئاً من صفاته، أو أنكروا بعضاً منها، وهؤلاء كما قال السلف: المعطل عابد عدم!!
  أما أهل السنة فهم وسط، فمثلاً في صفة العلو: يعتقدون أن الله تبارك وتعالى على العرش استوى، وأنه فوق جميع المخلوقات...أما هؤلاء المُمَثِّلة، فيقولون:استوى كالمخلوقين !!
وأولئك المعطلة يقولون:لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا يمينه ولا شماله !!   
    فأهل السنة وسط، يثبتون لله تبارك وتعالى كل ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الصفات إثباتاً لا تمثيل فيه، وينفون عن الله سبحانه وتعالى ما لا يليق به نفياً لا تعطيل فيه، من غير تحريف ومن غير تكييف...وهذا هو المنهج السليم الصحيح الذي كان عليه أهل السنة والجماعة جميعاً.
2 )وهم وسط في باب الإيمان والأحكام والأسماء :
 فبعض طوائف الأمة: قد غلت؛ حتى كفَّرت من يرتكب ذنباً من الذنوب دون الكفر أو الشرك، فأخرجته من الملة، أو حكمت عليه بالخلود في النار...
 ونجد في المقابل:من استهان وفرَّط في الأمر؛ حتى جعل أهل المعاصي والكبائر والفجور: مؤمنين كاملي الإيمان.
فالخوارج يقولون: أن مرتكب الكبيرة كافر.
والمعتزلة يقولون:هو في منزلة بين الإيمان والكفر، فغلوا في ذلك، وضلوا ...  وأما المرجئة: فإنهم قالوا: من قال لا إله إلا الله، وشهد لله تعالى بالوحدانية، وأقر لمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة؛ فإنه مؤمن كامل الإيمان... وإن عمل ما عمل، وأنكروا أن الإيمان يزيد وينقص ... وكلا هذين الطرفين خارج عن الصراط المستقيم، فممَّا هو معلوم: أن الله تبارك وتعالى فرَّق في الحكم بين من يشرك به، وبين من يرتكب شيئاً من هذه المعاصي، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم، والأدلة كثيرة لا تحصى... وهو صلى الله عليه وسلم رجم الزاني، وقطع يد السارق، وجلد شارب الخمر، فلو كانت هذه الذنوب ردةً وكفراً كالكفر الأكبر المخرج من الملة؛ لكان حكمها واحد ولا تفريق بينها ، وأيضاً نقول للمرجئة: لو كان العاصي والفاجر كامل الإيمان؛ فما معنى تلك الآيات العظيمة التي جاءت في صفات المؤمنين، وفي بيان أحوالهم وما يتميزون به عن غيرهم، وتلك الآيات الصريحة القطعية من كتاب الله تعالى في بيان أن الإيمان يزيد وينقص، وما جاء أيضاً في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ووفق الله تبارك وتعالى أهل السنة، فكانوا الأمة الوسط بين هؤلاء وهؤلاء.     
3) وهم وسط في باب القدر:
الذي ضلت فيه العقول والأفهام التي ابتعدت عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم :
     فإن القدرية نفوا القدر ولم يثبتوه و غلوا في تحميل العبد للمسئولية عند فعل المعصية، فقالوا:العبد مسئول عما يفعل من المعاصي، وغلوا في ذلك حتى قالوا: أن الله تعالى لم يقدِّر عليه هذه المعاصي، ولم يخلقها، ثم غلوا حتى جعلوا جميع أفعال العبد هو الذي يستأنفها من عند نفسه، والله تبارك وتعالى لم يكتبها عليه، ولم يقدرها عليه، وغلا بعضهم، فقال: لا يعلم الله بها إلا بعد وقوعها... تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
    فقابلتهم الجبرية، وقالوا: لا حيلة للعبد، ولا إرادة له، ولا اختيار، وغلوا في إثبات القدر، حتى آل بهم الأمر إلى أن جعلوا الإنسان كالريشة في مهب الريح، لا إرادة له ولا اختياراً ، فكل الأمور بالقدر حتى إذا فعلوا المعاصي، وانتهكوا حرمات الله قالوا:هذا بقدر الله، وليس لنا بذلك أي ذنب، وهؤلاء في ضلال مبين.
    ووفق الله تبارك وتعالى أهل السنة والجماعة، فاتبعوا صريح القرآن والسنة، فأثبتوا أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق لأفعال العباد كما هو الخالق للعباد: }وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) {سورة الصافات . وفي الوقت نفسه: أثبتوا أن العبد هو الفاعل، فالعبد هو الذي يفعل أفعاله كما هو في كتاب الله سبحانه وتعالى }فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) {سورة الزلزلةفالعبد هو الفاعل ، والله تعالى هو الخالق ، وفعل العبد بمقتضى مشيئة، وإرادة خلقها الله تعالى فيه ، وأعطاه إياهاكما قال تعالى:   }وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ(29) {سورة التكوير . فالمشيئة التي تنفذ وتتحقق هي مشيئة الله تبارك وتعالى، والعبد مع أن له مشيئة يتصرف بها، ويكون مسئولاً عما تمليه عليه من الأعمال، إلا أن هذه المشيئة لا تكون إلا بعد مشيئة الله، وكل ذلك في علمه تبارك وتعالى كما صرح في القرآن والسنة، فأهل السنة والجماعة لا يردون آيةً ولا حديثاً في القدر بحجة أنه يؤدي إلى الجبر، أو يؤدي إلى نفي مسئولية العبد، ويؤمنون بالجميع...وأما أولئك، فإنهم لابد و أن يردوا..!!!
فالقدرية النفاة: يردون كل حديث أو آية تدل على إثبات القدر؛ لأن ذلك في بدعتهم يدل على الجبر ، كقوله تعالى: }وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى (17) {سورة الأنفال. وكحديث محاجة آدم وموسى عليهما السلام، عندما تحاجا:[ فَقَالَ مُوسَى يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنْ الْجَنَّةِ فَقَالَ لَهُ آدَمُ أَنْتَ مُوسَى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلَامِهِ وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى] رواه البخاري ومسلم وأبوداود والترمذي وابن ماجه ومالك وأحمد ...وكذلك حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، الذي يقول في أوله: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ:[ إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيُكْتَبُ عَمَلُهُ وَأَجَلُهُ وَرِزْقُهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ فَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ] رواه البخاري ومسلم والترمذي وأبوداود وابن ماجه وأحمد. فأيضا أنكروا هذا الحديث، وأنكروا كثيراً من الأحاديث رغم ثبوتها وصحتها؛ لأنها بزعمهم تفضي إلى الجبر.
    كذلك أولئك:أنكروا كل ما يدل على استقلال العبد بفعله، وأنه هو الذي يفعل، وبذلك أنكروا كل ظواهر القرآن وصريحه في أن العبد هو الذي يعمل، كقوله تعالى:}فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى{ سورة الليل.فأنكروا أن العبد هو الذي يعطي أو يصدق، أو يكذب أو يبخل، وجعلوا الفعل كله لله...المقصود أن الله وفَّق أهل السنة والجماعة، فآمنوا بكل الآيات و الأحاديث، وكانوا وسطاً بين القدرية والجبرية.
4) وهم وسط  في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم :
 فالرافضة: يلعنون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، بل يكفرونهم إلا نفراً يسيراً معدودين، يقولون: أنهم علي وأصحابه الذين والوه. والخوارج: بالمقابل يكفرون علي بن أبي طالب، وعثمان رضي الله تعالى عنهما، ويكفرون من والاهما... أما أهل السنة والجماعة، فوفقهم الله، فكانوا على الطريق القويم والوسط، لا مع هؤلاء، ولا مع هؤلاء، فهم يوالون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً، ويترضون عنهم جميعاً ، ولا يكفرون أحداً منهم، وإنما يؤمنون ويقرون بما أثبته الله من فضلهم ومن الكرامة والسابقة والإحسان ، ويؤمنون بأن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة... ولا يذموهم كما فعلت الرافضة... ولا يكفروهم أو يكفرون بعضاً منهم، كما فعلت الخوارج... وأيضاً لا يغلون في حب أحد منهم، حتى  الصدِّيق- وهو أجلهم جميعاً - لا يبالغون فيه ولا يرفعونه فوق درجته الحقيقية، كما فعلت الرافضة حين رفعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى درجة الألوهية، فجعلوه إلهاً من دون الله، وبعضهم جعله في منزلة النبوة، نسأل الله العفو والعافية.
 وكذلك يحبون أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ويوالونهم، ولا يعظمونهم ويخرجوهم من منزلتهم التي هم عليها حقاً...ولا يرضون لما نالهم من الأذى، ولا يؤذونهم، بل يحبونهم المحبة الشرعية التي جعلها الله تبارك وتعالى لسائر المؤمنين وزيادة لقرابتهم من النبي صلى الله عليه وسلم.
5)وهم وسط في حياتهم العملية، ويدخلون في الإسلام كله ويجمعون الدين كله:
 فمن أهل السنة والجماعة من كان يلي القضاء، ومن كان يلي بعض المناصب، ومن كان ذا مال وسعة وفضل، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الكاملة، فقد كان فيهم أهل الثراء والغنى ، كما كان فيهم أيضاً أهل الفاقة والفقر، أهل الصبر والزهد، وكان فيهم أهل العبادة والذكر، كما كان فيهم أهل الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ...و أما مَنْ بعدهم، فحصل عندهم الاضطراب في ذلك: فبعضهم مال إلى الدنيا وركن إليها ولم يتحرز في قبول أي ولاية، أو منصب، فتوسعوا في ذلك توسعاً أخرجهم عما كان عليه السلف ...ومنهم طائفة مالت إلى العكس، فأخذوا بالزهد وتركوا متاع الحياة الدنيا، حتى أنهم حرموا الطيبات، أو نظروا إلى من يأخذ شيئاً من الطيبات بأنه خارج عن الصواب، وعن إصابة الحق... وتوسط أهل السنة والجماعة   فكانوا كما قال الله: }  يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً (208) { سورة البقرة  أي: ادخلوا في الدين كله، فكانوا بذلك أمة واحدة، مجتمعة على الحق والهدى، فحققوا عبادة الله تبارك وتعالى، والتي لا تتحقق إلا بأن يكون له سبحانه كمال الحب والخضوع، وأن يخاف و يرجى، فهذه هي العبودية الحقة، كما قال تعالى: } إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) { سورة الأنبياء وكما ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قَالَ:كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :[ اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ] رواه البخاري ومسلم وأبوداود وأحمد . فهذا كان شأنهم، أما غيرهم فإنهم أخذوا جزءاً من الدين، وتركوا الباقي. فأهل السنة والجماعة:جامعون بين الخوف والرجاء، والمحبة والخضوع، وهذه هي العبودية الحقة، والتألُّه الصحيح لله تبارك وتعالى، وظهر أثر الإيمان الحقيقي والصدق في العبودية في نصر الله لأهل السنة، وفي تأييده إياهم، وفي ذلك تصديق قول النبي صلى الله عليه وسلم:[ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ]رواه مسلم والترمذي وأبوداود وابن ماجه وأحمد. وامتن الله تبارك وتعالى عليهم بأنهم باقون متصلون غير منقطعين إلى أن يأتي أمر الله- وهو الريح الطيبة التي تقبض أرواح المؤمنين قبيل قيام الساعة، فلا يبقى إلا شرار الخلق، وعليهم تقوم الساعة- فهذا الظهور للحجة والبرهان، يصحبه إظهار الله تبارك وتعالى لهم بالنصر والتأييد والتوفيق .
6) أنهم موعودون بالنجاة من عذاب الله يوم القيامة:
وهذا من خصائص أهل السنة والجماعة، التي لا يشاركهم فيها غيرهم، وذلك مبني على أنهم هم الطائفة المهتدية التي ثبتت على الصراط المستقيم في هذه الحياة الدنيا، وأن غيرهم متوعد بالهلاك، والعقوبة في الآخرة، ولا يعني ذلك أن كل فرد من أهل السنة والجماعة هو ممن يدخل الجنة ابتداءً، كما لا يعني ذلك أن كل فرد من غير أهل السنة والجماعة لا يدخل الجنة انتهاءً، أو لا يدخلها ابتداء، ولكن من حيث الجملة أهل السنة موعودون بالنجاة، وأهل البدع متوعدون بالهلاك... وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[ افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَافْتَرَقَتْ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ قَالَ الْجَمَاعَةُ] رواه ابن ماجه. فهذا الوعيد لأهل الفرق، الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً، الذين خالفوا وصية الله:}وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِه ِلَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ    (153) {  سورة الأنعام  . فهؤلاء الذين خالفوا هذه الأوامر وأمثالها، يشملهم الوعيد، فهم من الثنتين والسبعين، المتوعدين بالنار... ومن حيث الجملة: فما من خير ولا خصلة عند غير أهل السنة والجماعة، إلا ولأهل السنة والجماعة من ذلك النصيب الأوفر والكمال في هذه الصفة، وفي هذه الخصلة... وأيضاً سيئات بعض أفراد أهل السنة والجماعة، يوجد عند أهل البدع مثلها، وأكبر منها.
7)ومن أعظم خصائصهم: أنهم منتسبون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم:
فلو سألت أي طائفة من الطوائف إلى من تنتسبون ومن أول من أظهر أو أنشأ عقيدتكم، لأخبروك، إلاّ أهل السنة والجماعة فإنهم يقولون: هذا ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ ولهذا لا يقال لهم:  أول من أوجد مذهبهم، أو أسسه فلان ... ونكتفي بهذه الميزات وهي ليست كل خصائص أهل السنة والجماعة، وإنما هي بعض منها، ذكرناها في إيجاز وبتركيز شديدين، والعبرة العظمى التي تهمنا نحن المسلمين هي أن نؤمن بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على منهج السلف الصالح، أهل السنة والجماعة، ونتمسك بذلك قولاً، وعملاً، ونعض عليه بالنواجذ، ونعلم أنه لا نجاة للمسلمين، ولا خير، ولا فلاح في الدنيا ولا في الآخرة إلا بأن يكونوا على هذا المنهج السليم القويم،    
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم منهم إنه سميع مجيب.
من محاضرة: وسطية أهل السنة والجماعة   للشيخ/سفر الحوالي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ألعاب زمان

قد يستحقر البعض أساليب اللعب زمان . ولكن بشئ من الإنصاف يمكن أن نعدد من المزايا التى فى تلك الألعاب بما يصعب حصره . وهنا نترك لكم ف...