أسباب تخلف المسلمين
نقلب صفحات الماضي المجيد، ونجد أن القرآن
يتحدث عن هذه الأمة فيقول: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ
لِلنَّاسِ (110) {[سورة آل عمران] ننظر
إلى واقعنا، وننظر إلى ماضينا، فنجد البون الشاسع والفرق الهائل.. ننظر كيف كانت
هذه الأمة التي هابتها الفرس والروم، ثم كيف أصبحت غثاء كغثاء السيل!
بعد أن كنا سادة وقادة، ماذا
دهانا؟ ماذا أصابنا؟
دعنا نلتمس الأسباب، ونبحث عن العلل؛ علنا نصل إلى
الداء، ثم نشخص الدواء بعد ذاك .
من أبرز
أسباب تخلف المسلمين:
سقوط
الخلافة ألإسلامية:
منذ بزغ فجر هذه الرسالة والخلافة قائمة،
يتناقلها خليفة عن خليفة، وجيل عن جيل، وأمة عن أمة، وأدرك العدو أنه لن تموت هذه
الأمة مادام لها أمير للمؤمنين؛ فسلطوا سهامهم، وشرعوا أسلحتهم، وحاكوا المؤامرات
تلو المؤامرات حتى أسقطوا هذه الخلافة.
واستطاعت أوربا ممثلة ببريطانيا أن تصور أن الخلافة شبح رهيب، وسمّوها بالرجل
المريض، وأثاروا النعرات والقبليات، ثم بعد ذلك ساعدهم كثير من المسلمين حتى
اعتبروا أن عدوهم الأول هي الدولة العثمانية أو الخلافة الإسلامية حتى أسقطوها.
فصل الدين عن
الدولة:
سبب
رئيسي للمآسي التي نعيشها، لماذا؟ لأنه لا يمكن أن يُحكم البشر إلا بشريعة رب
البشر، فإذا أبعدت هذه الشريعة عن الساحة؛ حُكم البشر بسنن البشر، والبشر عاجز
وقاصر، وبهذا حل فينا ما حل !
ويزداد ألمي عندما أجد أن
كثيراً من المنتسبين للإسلام- والإسلام منهم براء- أشد اقتناعاً بفصل الدين عن
الدولة أي: بالعلمنة بمفهومها الصحيح.. يقولون:" دع ما لله للهِ
وما لقيصر ليقصر" ونقول لهم:
الكل لله سبحانه وتعالى: }الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (56) {[سورة
الحج] نعم، فصل الدين عن الدولة مخطط
رهيب؛ لأن أولئك الأعداء علموا أن القرآن هو عدوهم الأول، ولذا جندوا جنودهم
لإبعاد القرآن عن حكم المسلمين- وقد نجحوا وللأسف- وكثير من المسلمين لا يدركون
خطورة هذا الأمر، وهو خطر داهم وشر قائم . والمسلمون الآن في مشارق الأرض ومغاربها-إلا
من عصم الله- يُحكمون بقوانين الشرق والغرب، بقوانين اليهود والنصارى والوثنيين،
ولكنهم لا يخضعون لحكم الله، ومن تخلى عن حُكم الله؛ تخلى الله عنه: }أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ
أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ (83) { [سورة آل عمران]
}وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا
أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ(44) {[سورة المائدة] .. } وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ
فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(45){
[سورة المائدة] .. }وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ
فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(47){
[سورة المائدة] .
الهزيمة النفسية
أمام الأعداء:
وهذه القضية من أخطر ما أدى بنا إلى ما نحن
فيه، يقول الأمير شكيب أرسلان:
" من أعظم أسباب انحطاط
المسلمين في العصر الأخير فقدهم كل ثقة بأنفسهم وهو من أشد الأمراض الاجتماعية،
وأخبث الآفات الروحية، لا يتسلط هذا الداء على أمة إلا ساقها إلى
الفناء".
الهزيمة النفسية مرض خطير أشد
فتكاً من مرض السرطان، والمسلمون الآن أصيبوا بالهزيمة النفسية، وما دخل علينا
الأعداء إلا بعدما أصبنا بالهزيمة النفسية.. أصبح لدى كثير من المسلمين قناعة
بأنهم لن يهزموا عدوهم، كيف نهزم أوربا؟كيف نهزم أمريكا؟ لديها من السلاح، ولديها
من العتاد، ولديها ولديها ولديها، فأصبحوا خير أبواق لأوربا، وأمريكا، ولروسيا،
ولغيرها من الشرق والغرب.. والهزيمة النفسية مرض فتاك حكى الله ذك في سورة الحشر:
} فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي
قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ (2) {[سورة الحشر] وقد جعل
الله من خصائص هذه الأمة كما بيّن صلى
الله عليه وسلم أنها: تُنصر بالرعب مسيرة شهر. إذاً: إذا أحس العدو بالرعب فهذا
أولى علامات السقوط.
الجهل
وتخلف المسلمين في العلوم الإسلامية والعلوم المادية:
كثير
من المسلمين جهلة في دينهم، جهلة في دنياهم، وهذا سبب أساسي للمرض الذي نعيش فيه، والداء الذي وصلنا إليه.
الإعجاب
بالغرب واعتباره القدوة الصالحة:
إعجاب يبينه البعض، ويبيته البعض الآخر، حتى وصل
الإعجاب بالغرب إلى أن يكون الذهاب إلى بلادهم أمنية يتمناها كثير من المسلمين،
فيفتخر أنه زار أمريكا، أو زار أوربا .
وإعجاب كثير من المسلمين بالغرب، والسير في
ركابهم، واعتبارهم القدوة الصالحة أوصلهم إلى ما أوصلهم.
نعم، إعجاب كثير منا بالغرب أوصلنا إلى ما
أوصلنا إليه، حتى أننا رأينا من صور الإعجاب أنه إذا اشتهر رجل منهم بأحد أوجه
الفساد كالغناء، أو الرقص، أو لعب الكرة، أو نحوها؛ وجدنا من يقلده بعد ساعات..
سئل أحد شباب المسلمين: من هو مثلك الأعلى ؟ ويجب أن يكون مثله الأعلى هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن ماذا
قال؟!
قال: إن مثلي الأعلى هو لاعب الكرة
(مارادونا)!!
والبعض يخجل من أن يلبس لباسه
العادي إذا خرج إلى أوربا، ويبحث عن أفضل ما أخرجت الموضات الفرنسية، أو الموضات
الأوربية؛ إعجاباً وتقليداً !
الإفساد
باسم الإصلاح والتطور:
وذلك تضليل للأمة، وهذا ما يحكيه سبحانه
وتعالى عن المنافقين، ويقول عنهم:
} وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا
إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ(11) { [سورة البقرة]
باسم الإصلاح: انتزعت أهم
خصائص مؤسسات الأمة الإسلامية..الأزهر بعراقته ضاع باسم الإصلاح والتطوير.
باسم التطور والحضارة والمدنية تنتهك حرمات الله
سبحانه وتعالى، ويضرب بأمر الله عرض الحائط .
اجتماع
كلمة الأعداء علينا مع تفرقهم وتشتتهم :
} تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى (14) {[سورة
الحشر] ولكنهم يجتمعون علينا، الخلاف بين
روسيا وأمريكا عريق قديم، وسيظل طالما استمروا على وضعهم ومبادئهم، ولكنهم يتفقون
على ما يكون ضد المسلمين، هذه قضية لا يناقشون فيها أبداً..يختلفون ويتقاتلون
ويتناحرون إلا في شيء واحد: ما يخص المسلمين، فهم يتفقون على ما يهيننا ويذلنا
وينزع الكلمة من بيننا.
الجهود
التي بذلها المستشرقون والمستغربون :
المستشرقون أمرهم معروف، ولكن
من هم المستغربون؟
هم الذين ذهبوا إلى أوربا،
وتعلموا في أوربا وأمريكا وغيرها، وجاءوا ليبثوا ولينشروا بيننا ما تعلموه هناك
كَمُثُلٍ لا تقبل النقاش ولا الجدل، يرجع أمثال طه حسين ويقول:"علينا أن نلحق
بفرنسا حتى في شكل اللباس".
هؤلاء المستغربون نالوا الشهادات العالية من هنا
وهناك، وجاءوا إلى بلاد المسلمين، واحتلوا فيها القيادة والمناصب والريادة، وقادوا
المسلمين إلى التأخر والتقهقر.. يعيشون بيننا ويتكلمون بلغتنا، بل إن بعضهم قد
يدخل إلى مساجدنا، ووالله إن هؤلاء أشد خطراً من المستشرقين. هؤلاء هم من الأسباب
الرئيسية التي أوصلتنا إلى الوضع الذي نعيشه .
ضعف القدوات لدى العلماء والقادة:
في السابق كان العلماء والقادة هم القدوة التي يقتدى
بهم، ولكن هذا الجانب ضعف في عصرنا الحاضر، فلم يعد كثير من العلماء أهلًا لئن يقتدى
بهم.. فقدوا مقومات القدوة الصالحة؛ ولذلك وبسبب ضعف القدوة لدى هؤلاء اقتدى الناس
بالمنحرفين.
ذهبت إلى بعض البلاد
الإسلامية وحين تسألهم أين علماؤكم ؟ ويا للأسف تجد أشباه علماء يقودون الناس إلى
جهنم لماذا ؟ لأنك تجد هؤلاء قد يحملون
شهادات عالية ولكنهم لا يلتزمون بشريعة الله وإن تسلموا المناصب باسم العلماء،
وباسم التوجيه وتجد أن بعضهم وهم من المنتسبين إلى العلماء مفتون بالغرب.
فإذا
ضعف جانب القدوة لدى العلماء؛ بحث الناس عن القدوة فلم يجدوها، فاقتدوا بالشرق
وبالغرب وبمن هب ودب.
خيانة بعض
المسلمين لدينهم ولأمتهم:
أصبحوا عملاء للشرق والغرب،
عملاء لأعداء الله؛ فخانوا الله والرسول، وخانوا أمانتهم ودينهم.
نشوء العصبيات
والقبليات:
العرب أمة مشتتة مفرقة، جاء
الإسلام وهي هكذا، بما اجتمعت ؟
هل اجتمعت تحت لواء قريش ؟ أو
باسم مكة أو الحجاز ؟ لا، إنما جمعتهم ووحدتهم كلمة الإسلام، كلمة لا إله إلا
الله، ودان الشرق والغرب لهذه الكلمة بعد العصبيات وبعد التفرق.
رأى العدو أن من أفضل الوسائل التي تبعدنا عن
ديننا أن ينشيء فينا العصبيات: القومية العربية، القومية التركية، القومية
الكردية.
بعد أن فرقوهم إلى قوميات جاءوا بالوطنية حتى
تفرق العرب أيضاً إلى بلاد كل منهم ينتسب إلى وطنه،
ثم جاءوا بالإقليمية: أهل الوطن الواحد
يتفرقون، هذا من وطن كذا وهذا من بلد كذا..عصبيات وإقليميات وقوميات ووطنيات مزقوا
فيها شمل أمتنا .
الجبن
والخوف وحب الدنيا وكراهية الموت:
هلع وخوف أدى بنا إلى ما نحن فيه.
هذه فيما أرى أبرز الأسباب التي أوصلت
المسلمين إلى الوضع المتخلف والمتأخر الذي استطاع أن يعبر عنه الشاعر عندما قال:
كم صرفتنا يد كنا نصرفها وبات يملكنا شعب ملكناه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق