العناية بالمرأة في
العرض والكرامة:
جعل الشرع للحفاظ على ذلك أحكامًا كثيرة، منها:
1 ـ القرار في البيوت:
قال تعالى: {وَقَرْنَ فِى
بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33].
قال القرطبي: "معنى هذه الآية: الأمر بلزوم البيت،
وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى، هذا لو
لم يرد دليل يخصُّ جميعَ النساء، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن
والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة" الجامع لأحكام القرآن (14/ 176).
2 ـ الأمر بالحجاب:
قال تعالى: {يٰأَيُّهَا
ٱلنَّبِىُّ قُل لأزْوٰجِكَ وَبَنَـٰتِكَ وَنِسَاء ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ
عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ
يُؤْذَيْنَ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} [الأحزاب:59].
قال ابن عطية: "لما كانت عادة العربيات التبذل في
معنى الحجبة، وكنّ يكشفن وجوههن كما يفعل الإماء، وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال
إليهن وتشعب الفكر فيهن؛ أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأمرهن بإدلاء
الجلابيب ليقع سترهن، ويبين الفرق بين الحرائر والإماء فيعرف الحرائر بسترهن"المحررالوجيز (4/399)
قال: "وقوله: {ذٰلِكَ
أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب:59] أي: على الجملة؛
بالفرق حتى لا يختلطن بالإماء، فإذا عُرفن لم يقابلن بأذًى من المعارَضَة ( أى : لم يعترض عليهن أحد )
مراقبةً لرتبة الحرية، وليس المعنى أن تُعرف المرأة حتى يعلم من هي" المحرر
الوجيز (4/399).
3 ـ النهي عن التبرج:
قال تعالى: {وَقَرْنَ فِى
بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ ٱلأولَىٰ}
[الأحزاب:33].
قال الشيخ ابن باز: "ونهاهن عن تبرج الجاهلية وهو
إظهار الزينة والمحاسن كالرأس والوجه والعنق والصدر والذراع والساق ونحو ذلك من
الزينة، لما في ذلك من الفساد العظيم والفتنة الكبيرة وتحريك قلوب الرجال إلى
تعاطي أسباب الزنا، وإذا كان الله سبحانه يحذِّر أمهاتِ المؤمنين من هذه الأشياء
المنكرة مع صلاحهن وإيمانهن فغيرهن أولى وأولى بالتحذير والإنكار والخوف عليهن من
أسباب الفتنة"
( حكم السفور والحجاب، مجلة البحوث الإسلامية، العدد 14،
1405هـ - 1406هـ)
4 ـ الأمر بغض الأبصار وحفظ الفروج:
قال تعالى: {وَقُل
لّلْمُؤْمِنَـٰتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـٰرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}
[النور:31].
قال ابن كثير: "هذا أمر من الله تعالى للنساء
المؤمنات وغيرةً منه لأزواجهن عبادِه المؤمنين، وتمييزٌ لهن عن صفة نساء الجاهلية
وفعال المشركات" (تفسير القرآن العظيم (3/311).)
5 ـ النهي عن إظهار الزينة لغير المحارم:
قال تعالى: {وَلاَ يُبْدِينَ
زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31].
قال ابن كثير: "أي: لا يظهرن شيئًا من الزينة
للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاؤه، قال ابن مسعود: (كالرداء والثياب) يعني: على ما
كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلِّل ثيابها وما يبدو من أسافل الثياب
فلا حرج عليها فيه؛ لأن هذا لا يمكنها إخفاؤه"( تفسير القرآن العظيم ( 3/312 ) قال الأستاذ سيد قطب: "والزينة حلالٌ للمرأة تلبيةً
لفطرتها، فكلُّ أنثى مولعةٌ بأن تكون جميلةً وأن تبدوَ جميلة، والزينة تختلف من
عصر إلى عصر، ولكن أساسها في الفطرة واحدٌ هو الرغبة في تحصيل الجمال أو استكماله
وتجليته للرجال، والإسلام لا يقاوم هذه الرغبةَ الفطرية، ولكنه ينظِّمها ويضبطها
ويجعلها تتبلور في الاتجاه بها إلى رجل واحد هو شريك الحياةِ، يطَّلع منها على ما
لا يطَّلع أحد سواه، ويشترك معه في الاطلاع على بعضها المحارمُ المذكورون في الآية
بعد، ممن لا يثير شهواتهم ذلك الاطلاعُ" فى ظلال القرآن ( 4/2512 )
6- النهي عن الخضوع بالقول:
قال تعالى: {يٰنِسَاء
ٱلنَّبِىّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ ٱلنّسَاء إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ
بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32].
قال ابن كثير: "ومعنى هذا أنها تخاطب الأجانب بكلام
ليس فيه ترخيم، أي: لا تخاطب المرأة الأجانبَ كما تخاطب زوجها( تفسير القرآن
العظيم (3/531).)
قال الشوكاني: "أي: لا تلنَّ القول عند مخاطبة
الناس كما تفعله المرِيبَات من النساء فإنه يتسبَّب عن ذلك مفسدة عظيمة، وهي قوله:
{فَيَطْمَعَ ٱلَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ}
[الأحزاب:32] أي: فجور وشكّ ونفاق" ( فتح القدير (4/277).
7- تحريم الخلوة بالأجانب وتحريم سفرها بلا
محرم:
عن ابن عباس
رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: ((لا يخلوَنَّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر
المرأة إلا مع ذي محرم))، فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت
حاجةً، وإني اكتُتِبتُ في غزوة كذا وكذا، قال: ((انطلق
فحج مع امرأتك)) أخرجه البخارى ومسلم
قال الحافظ: "فيه منع الخلوة بالأجنبية
وهو إجماع"( فتح الباري (4/92)
قال القاضي عياض: "والمرأة فتنةٌ ممنوعٌ الانفراد بها لما جُبِلت
عليه نفوسُ البشر من الشهوة فيهن، وسُلِّط عليهم من الشيطانُ بواسطتهن، ولأنهن لحم
على وَضَ(الوضم: كل شيء يوضع عليه اللحم من خشب أو باريّة يوقى به من الأرض. مختار
الصحاح (ص302).)
إلا ما ذُبّ
عنه، وعورةٌ مضطرة إلى صيانة وحفظٍ وذِي غيرة يحميها ويصونها، وطبع الله في ذوي
المحارم من الغيرة على محارمهم والذبِّ عنهن ما يؤمَن عليهن في السفر معهم ما
يُخشى (إكمال المعلم (4/448)..)
8- التحذير من الدخول على النساء لغير
المحارم:
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم والدخول على النساء))، فقال رجل من الأنصار:
يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: ((الحمو الموت))
أخرجه البخاري في النكاح، باب: لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم والدخول على
المغيبة (5232)، ومسلم في الأدب (2083).
قال القرطبي: "قوله: ((الحمو
الموت)) أي: دخوله على زوجة أخيه يشبه الموتَ في الاستقباح والمفسدة، أي:
فهو محرَّم معلوم التحريم، وإنما بالغ في الزجر عن ذلك وشبَّهه بالموت لتسامح
الناس في ذلك من جهة الزوج والزوجة لإلفِهم ذلك، حتى كأنه ليس بأجنبيٍّ من المرأة
عادة، وخرج هذا مخرج قول العرب: الأسد الموت، والحرب الموت، أي: لقاؤه يفضي إلى
الموت، وكذلك دخول الحمو على المرأة يفضي إلى موت الدين، أو إلى موتها بطلاقها عند
غيرة الزوج، أو برجمها إن زنت معه" ... المفهم (5/501).
9- الابتعاد عن مخالطة الرجال حتى في
العبادات:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: ((خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير
صفوف النساء آخرها وشرها أولها)) أخرجه مسلم فى الصلاة ( 349 )
قال القرطبي: "فأما الصفُّ الأول من صفوف النساء
فإنما كان شراً من آخرها لما فيه من مقاربة أنفاس الرجال للنساء، فقد يخاف أن
تشويش المرأة على الرجل والرجل على المرأة" ...... المفهم.
قال النووي: "وإنما فضَّل آخرَ صفوف النساء الحاضرات مع الرجال
لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم
ونحو ذلك، وذمَّ أوَّل صفوفهن لعكس ذلك" شرح صحيح مسلم (4/159-160).
قال الشيخ ابن باز: "وكان النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لا
يختلطن بالرجال لا في المساجد ولا في الأسواق الاختلاط الذي ينهى عنه المصلحون
اليوم ويرشد القرآن والسنة علماءَ الأمة إلى التحذير منه حذراً من فتنته، بل كان
النساء في مسجده صلى الله عليه وسلم يصلين خلف الرجال في صفوف متأخرة عن الرجال،
وكان يقول صلى الله عليه وسلم: ((خير صفوف الرجال أولها
وشرُّها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها)) حذراً من افتتان آخر
صفوف الرجال بأول صفوف النساء، وكان الرجال في عهده صلى الله عليه وسلم يؤمرون بالتريُّث
في الانصراف حتى يمضي النساء ويخرجن من المسجد لئلا يختلط بهنَّ الرجال في أبواب
المساجد مع ما هم عليه جميعاً رجالاً ونساء من الإيمان والتقوى، فكيف بحال من
بعدهم؟! وكانت النساء يُنهين أن يتحقَّقن الطريقَ ويُؤمرن بلزوم حافات الطريق
حذراً من الاحتكاك بالرجال والفتنة بمماسَّة بعضهم بعضاً عند السير في
الطريق" حكم الاختلاط في التعليم، نشر مجلة البحوث الإسلامية -عدد 15-
1406هـ.
10- التشديد في خروج المرأة متعطِّرة:
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((أيما امرأة استعطرت فمرَّت على قوم ليجدوا من ريحها
فهي زانية)) أخرجه أبو داود في الترجل، باب: في طيب المرأة للخروج (4167)،
والترمذي في الاستئذان، باب:ما جاء في كراهية خروج المرأة متعطرة (2937)، والنسائي
في الزينة، باب: ما يكره للنساء من الطيب (5126) واللفظ له، قال الترمذي:
"حديث حسن صحيح".
قال المباركفوري: "لأنها هيَّجت شهوةَ الرجال بعطرها
وحملتهم على النظر إليها، ومن نظر إليها فقد زنى بعينيه، فهي سبب زنى العين فهي
آثمة" تحفة الأحوذي (8/58).
11- الغيرة على النساء:
قال الشيخ محمد أحمد المقدم: "إن من آثار تكريم الإسلام للمرأة ما
غرسه في نفوس المسلمين من الغيرة، ويقصد بالغيرة تلك العاطفة التي تدفع الرجل
لصيانة المرأة عن كل محرَّم وشين وعار، ويعدُّ الإسلام الدفاعَ عن العرض والغيرةَ
على الحريم جهاداً يبذل من أجله الدم، ويضحَّى في سبيله بالنفس، ويجازي فاعلَه
بدرجة الشهيد في الجنة، فعن سعيد بن زيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: ((من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو
شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد)) أخرجه أحمد
في المسند (1/190)، والترمذي في الديات، باب: ما جاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد
(1418)، وأبو داود في السنة، باب: في قتل اللصوص (4772)، وابن ماجه في الحدود،
باب: من قتل دون ماله فهو شهيد (2580)، وقال الترمذي: "حسن صحيح"، وقال
الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند (3/119): "إسناده صحيح".
بل يعدُّ الإسلام الغيرةَ من صميم أخلاق الإيمان، فمن لا غيرة له لا إيمان
له، ولهذا كان رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم أغيرَ الخلق على الأمة، فعن
المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلاً مع امرأتي
لضربته بالسيف غيرَ مصفح، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((تعجبون من غيرة سعد؟! واللهِ، لأنا أغير منه، واللهُ أغير
مني، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن..)) الحديث رواه
البخاري في المحاربين، باب: من رأى مع امرأته رجلاً فقتله (6846)، ومسلم في اللعان
(1499).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يغار وإن
المؤمن يغار، وإن غيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه)) رواه البخاري في النكاح، باب: الغيرة (5223)، ومسلم في التوبة
(2761).
وإن من ضروب الغيرة المحمودة أنَفَةَ المحب وحميَّته أن يشاركه في محبوبه
غيرُه، ومن هنا كانت الغيرة نوعاً من أنواع الأثرة لا بد منه لحياطة الشرف وصيانة
العرض، وكانت أيضاً مثارَ الحمية والحفيظة فيمن لا حميةَ له ولا حفيظة. وضدُّ
الغيور الديُّوث، وهو الذي يقرُّ الخبثَ في أهله أو يشتغل بالقيادة، قال العلماء:
الديوث الذي لا غيرةَ له على أهل بيته، وقد ورد الوعيد الشديد في حقه، فعن عبد
الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم: ((ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق
لوالديه والمرأة المترجلة والديوث)) الحديث أخرجه أحمد في
المسند (2/134)، والنسائي في الزكاة، باب: المنان بما أعطى (2561)، وصححه أحمد
شاكر في تعليقه على المسند (9/34).
إن الغيرةَ على حرمة العفَّة ركنُ العروبة
وقوام أخلاقها في الجاهلية والإسلام؛ لأنها طبيعة الفطرة البشرية الصافية النقية،
ولأنها طبيعة النفس الحرة الأبية" عودة الحجاب (3/114-115).