فطن الرسول محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى أن التعامل الناجح مع الطفل يعتمد على أساليب تربوية مدروسة، تقوم على العلم والخبرة والتجربة وسعة الصدر والصبر والاحتواء؛ ونظرًا لأهمية تلك المرحلة العمرية فقد صاغ لها صلى الله عليه وعلى آله وسلم منهجًا في التعامل التربوي والعلمي، أنتج شخصيات ناجحة منجزة، وقيادات متميزة فذة، وعلماء متفردين عباقرة، ومن أهم محاور المنهج التربوي في تعامله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع الأطفال:
1 - الحفاظ على حقوق الطفل الأسرية والاجتماعية:
اهتم الرسول بحفظ حق المولود في النسب المعلوم
والموثق والمشهود عليه، والمعلن من زواج صحيح، ومنع إنجاب الأطفال خارج
العلاقة الزوجية الشرعية؛ حماية لهم من المشكلات المستقبلية، فضلاً عن
طهارة المجتمع من الرذيلة والفساد واختلاط الأنساب.
وتحدث محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن حق
الطفل في أن يختار له أبوه أمه ذات خُلُق حميد، وحقه في أن يسميه أبوه
اسمًا حسنًا غير مستنكَر ولا مستهزأ به، وحقه في الرضاعة الطبيعية، وحقه
في أن ينشأ في بيئة سليمة وقرابة محيطين به، وحقه في تربية إيمانية حسنة،
وحقه في الحفظ من الانتهاك الجنسي والشذوذ والانتهاز، والرق والاستعباد،
والمتاجرة.
كما أكدت الرسالة المحمدية على حق الطفل في
الميراث والوصية، وأكدت تأكيدًا كبيرًا على حق الطفل اليتيم في الرعاية
والعناية الكاملتين، وأن يُحفَظ له ماله، وأن يحميه مجتمعه ويعطف عليه،
ويرعاه ويكفله الكفالة التامة.
2 - اللطف بالأطفال والبساطة في التعامل معهم:
الأطفال دومًا يحبون من يتبسط معهم، ويعايشهم
وكأنه واحد منهم، وينفرون من الغليظ العبوس الغاضب، ويتحفزون للجاد
الوقور، وقد علم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم طبائع ذلك العمر، وكان
يتعامل معه بما يحبونه، ويحاول أن يبث من خلال بساطته معهم ومزاحه وتلطفه
بهم معانٍ مهمة في تقويم السلوك وتكوين الشخصية الناجحة.
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: كنا نصلي
مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم العشاء؛ فإذا سجد وثب الحسن
والحسين على ظهره، فإذا رفع رأسه أخذهما بيده من خلفه أخذًا رفيقًا
ويضعهما على الأرض، فإذا عاد عادا، حتى إذا قضى صلاته أقعدهما على فخذيه.رواه أحمد (10281) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/290): ورجال أحمد ثقات، وحسنه الأرناؤوط.
إن الطفل لا يمكن أن تعي مداركه الواجبات
والحقوق والأصول والمبادئ والقيم والمعاني، إنما يبدأ في تلقيها خطوة خطوة
عبر سنين حياته، ومخطئ من يتعامل مع الطفل تعامله مع الكبير، الذي لا بد
أنه يعرف الأصول والضوابط، ولهذا نجد أناسًا كثيرين يسيئون معاملة الطفل؛
حيث يطالبونه أن يكون ساكنًا هادئًا رزينًا وقورًا، وهو ما لا يستطيعه.
تحكي لنا صحابية اسمها أم خالد عن مشهد كان في
طفولتها لا زالت تذكره وتقول: «أتيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم مع أبي، وعليَّ قميص أصفر. قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم: سَنَهْ سَنَهْ. قالت: فذهبتُ ألعب بخاتم النبوة فَنهاني أبي. قال
رسول الله :صلى الله عليه وعلى آله وسلم دعها.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «أبْلِي وأخلقي، ثم أبلي
وأخلقي، ثم أبلي وأخلقي».رواه البخاري (3071).
إنه مشهد متميز ومعبر عما نريد أن نقوله، يأتي
الرجل ومعه ابنته إلى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يعلم حبه
للأطفال، وأنه لا يتبرم ولا يتأفف من لقائهم، بل يبَشّ لهم ويسعد بهم،
وتجترئ البنت عليه وتتعلق على ظهره وتلعب، وهو يضحك ولا يتأفف بل يدعو لها
ويكرر دعاءه ثلاثًا.
وربما حمل الرسول محمد صلى الله عليه وعلى آله
وسلم الطفل الصغير فيبول على ثوبه، فيدعو بماء فينضَح ثوبه به، ولا
يغسله. وقد تكررت مواقف بول الأطفال الصغار على ثيابه وفي حجره صلى الله
عليه وعلى آله وسلم من كثرة حبّه لهم وحمله لهم، ولم يقتصر حمله على
الصبيان بل والبنات أيضًا، تقول أم كرز الخزاعية: «أُتِيَ النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم بغلام فبال عليه، فأمر به فنضح، وأتي بجارية فبالت عليه
فأمر به فغُسل».رواه أحمد (26834) وصححه الأرناؤوط.
ويقول صاحبه أبو موسى الأشعري: «وُلِد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسماه إبراهيم فحنكه بتمرة، ودعا له بالبركة».
متفق عليه.
متفق عليه.
وكان يداعب رسول الله الأطفال حتى في طرقاته،
يقول يعلى بن مُرَّة: خرجت مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على
طعام، فإذا الحسين بن علي يلعب في الطريق، فأسرع النبي أمام القوم، ثم بسط
يديه ليأخذه فطفق الغلام يفر هنا ويفر هنا، ورسول الله يلاحقه ويضاحكه،
بل كان يأخذ أسامة بن زيد والحسن بن علي فيقعدهما على فخذه كل على ناحية
ثم يضمهما ويقول: «اللهم ارحمهما فإني أرحمهما».رواه البخاري (6003).
وحتى في لحظات الصلاة جاءته أُمامة بنت ابنته زينب، فحملها في صلاته فإذا ركع وضعها وإذا قام حملها. متفق عليه.
ويقول محمود بن الربيع: «عقلت مَجَّة مجَّها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في وجهي، وأنا ابن خمس سنين من دلو».متفق عليه. يعني لا يزال يذكر كيف دفع الرسول محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم الماء من فمه في اتجاهه يداعبه به، وكان عمره يومها خمس سنين.
وكان إذا سمع بكاء طفل أثناء صلاته خفَّف في
الصلاة؛ كي تنتهي أم الطفل من الصلاة وتحمل ابنها، أو تُسكت بكاءه وتلبي
حاجته، فقد قال في حديثه: «إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها فأسمع
بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي؛ كراهية أن أشقّ على أمه».متفق عليه.
وكان يلاعبهم ويتحدث معهم في شئونهم الخاصة، ولو كانت لا تمثل أهمية لمثله، فعن أنس قال: « كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحسن الناس خُلقًا، وكان لي أخ يقال له: أبو عُمَيْر، وكان له طير يلعب به، فكان الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا جاء قال: يا أبا عمير، ما فعل النُّغَيْر؟».متفق عليه.
3 - تقدير الطفل واحترامه:
حرص الرسول محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم
أثناء تعامله اللطيف مع الأطفال على احترامه لنفوسهم وذواتهم، وحرصه على
توصيل أفضل المفاهيم إليهم بأبسط الوسائل وأقومها، ولا يعنفهم، فيحكي لنا
أحد الأطفال هذا الموقف له مع محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو عبد
الله بن عامر فيقول: «دعتني أمي ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
قاعد في بيتنا، فقالت: هَا تعالَ أعطيك، فقال صلى الله عليه وعلى آله
وسلم: ما أردت أن تعطيه ؟ قالت: أعطيه تمرًا. فقال لها: «أما إنك لو لم
تعطه شيئًا لكُتبت عليك كذبة». رواه أبو داود (4993) وحسنه الألباني.
فهو يحذرها من أن تكذب على الصبي أو تستهين بمشاعره، ولو أن تقول له تعال أعطيك شيئًا، ثم لا تفعل.
وحين يرى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم
على الأطفال ما يستوجب التقويم والتعديل، فإنه يتعامل معهم برفق دون تأنيب
أو صراخ، يقول عمر بن أبي سلمة: «كنت غلامًا في حِجْر رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم، وكانت يدي تطيش في الصحفة؛ فعلَّمه رسول الله صلى
الله عليه وعلى آله وسلم في رفق ولين كيف يأكل فقال له: «يا غلام سم الله،
وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك».متفق عليه.
كما حاول محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم
أن يربي الأطفال عبر تعاليمه وسلوكه على معاني الرجولة والمروءة منذ
صغرهم، فكان يعطي الأطفال جرعات متدرجة من تلك المعاني عبر المواقف
المتناثرة والمتفرقة، فكان ربما أجلس بعض الغلمان كعبد الله بن عباس وعبد
الله بن عمر في مجلسه ومع أصحابه ليتعلموا وينضجوا، فيحكي عبد الله بن عمر
فيقول: كنا عند النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأُتِي بجُمَّار، فقال:
إن من الشجر شجرةً مثلها كمثل المسلم، فأردت أن أقول هي النخلة، فإذا أنا
أصغر القوم فسكتُّ، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «هي النخلة».متفق عليه.
وعلَّم عبد الله بن عباس وهو غلام صغير كان
يردفه خلفه على دابته معانٍ عظيمة بكلمات بسيطة مفهومة، فقال له: «يا غلام
احفظ الله يحفظك...» إلى آخر الحديث.رواه الترمذي (2516) وصححه الألباني.
بل يذهب محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم
في تقديره للأطفال مذهبًا بعيدًا في مجتمع كان لا يقيم للصغار وزنًا،
فيجلس أحدهم إلى يمينه، وهذا يجعله أحق بالتقديم من كبار القوم، يقول سهل
بن سعد الساعدي: إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
أُتِي بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام:
«أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال الغلام: لا والله لا أؤثر بنصيبي منك
أحدًا».متفق عليه.
لقد راعى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم
الأمرين معًا، راعى حق الطفل واستأذنه، وراعى حق الكبار فطلب من الصغير أن
يتنازل لهم، فلما أصرَّ على موقفه، لم يعاتبه محمد صلى الله عليه وعلى
آله وسلم أو يعنفه، بل أعطاه حقه.
وهذه عدة مواقف من سيرته العطرة - صلى الله عليه وسلم- مع الصغار
1. احترام وتقدير ذات الطفل:
وهذه من أهم الأمور التي يحتاج إليها الطفل دائماً، ويغفل عنها الآباء غالباً. فقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم- يُشعر الناشئة بمكانتهم وتقدير ذاتهم، فيروي أبو سعيد الخدري –رضي الله عنه– أن سعد بن مالك – رضي الله عنه – ممن استُصغِر يوم أحد، يقول - رضي الله عنه - إن الرسول – صلى الله عليه وسلم - نظر إليه، وقال: سعد بن مالك؟
قال: نعم بأبي أنت وأمي.
قال: فدنوت منه فقبّلت ركبته،
فقال : "آجرك الله في أبيك"، وكان قد قتل يومئذٍ شهيداً.
فقد عامله الرسول – صلى الله عليه وسلم- وعزّاه تعزية الكبار، وواساه في مصيبته بعد ميدان المعركة مباشرة.
فما أحوجنا جميعاً إلى احترام عقول الأطفال، وعدم تسفيهها، وتقدير ذاتهم واحترام مشاعرهم، وهذا يجعل الطفل ينمو نمواً عقلياً واجتماعياً سليماً إن شاء الله.
2. تعويد الطفل على تحمل المسؤولية:
وهذه ضرورة لا بد من تعويد الأطفال عليها، ونحن في أوقات فرضت الاتكالية والاعتمادية نفسها على الكبار والصغار سواء بسواء، فالمربي الواعي يساعد الناشئ على تنمية مفهوم إيجابي عن نفسه، يعينه مستقبلاً على تحمل المسؤولية.
فقد اهتم الرسول – صلى الله عليه وسلم- في بناء شخصية الناشئين من حوله، روى مسلم عن سعد الساعدي – رضي الله عنه- أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أتى بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام وعن يساره شيوخ،
فقال للغلام: "أتأذن لي أن أعطي هؤلاء"؟
فقال الغلام: لا والله لا أوثر بنصيبي منك أحداً".
وهكذا يعتاد الطفل على الجرأة الأدبية، فينشأ وفيه قوة رأي ورجاحة عقل، بعيداً عن روح الانهزامية والسلبية، وهذا يتنافى مع الحياء الذي فرضه الإسلام.
3. حاجة الطفل إلى الإحساس بالعدل في التربية:
وذلك من أهم عوامل الاستقرار النفسي، فلا يلهب الآباء الغيرة بين الأبناء، ولا يثيرون التنافس فيما بينهم بتفضيل بعضهم على بعض، وقد تكون من وجهة نظر الآباء يسيرة وبسيطة كالقبلة أو الابتسامة أو الاهتمام الزائد بتلبية حاجة واحد على الآخر، وتلبية رغباته في المأكل أو المشرب أو الملبس.
فعن النعمان بن بشير أن أمه - بنت رواحة - سألت أباه بعض الموهبة من ماله لابنها، فالتوى بها سنة ثم بدا له
فقالت: لا أرضى حتى تُشهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم- على ما وهبت لابني، فأخذ أبي بيدي وأنا يومئذ غلام. فأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إن أم هذا (بنت رواحة) أعجبها أن أشهدك على الذي وهبت لابنها، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- "يا بشير ألك ولد سوى هذا"؟
قال: نعم. فقال :" أكلهم وهبت له مثل هذا"؟
قال: لا .
قال : " فلا تشهدني إذاً، فإني لا أشهد على جور" وفي رواية قال: " أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء"؟
قال : بلى. قال النبي – صلى الله عليه وسلم : "فلا إذاً"
رواه مسلم.
4. حاجة الطفل للحنان والمرح
وهذه حاجة ضرورية للطفل وطبيعته ما دام ذلك في الحدود الشرعية، فلا يجب أن تسرف فيها؛ حتى لا يتعود الطفل على التدليل، ولا تقتر فيها؛ فيحرم الطفل من أهم حاجياته الطبيعية، فيكون معقداً أو يتولّد عنده الانطواء والخجل.
ومما رواه البخاري عن عائشة –رضي الله عنها- قالت: كنت ألعب بالبنات عند النبي – صلى الله عليه وسلم-، وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- إذا دخل يتقمَّعن منه، فيسرِّبهًن إليّ، فيلعبن معي.
وهكذا لا تحرم الناشئة من الحنان الطبيعي، والمرح الذي يجدد النشاط، على أن يكون ذلك متوازياً، يحفظ لهم شخصياتهم وتماسكهم الوجداني.
5. أنت أفضل معلم لطفلك
وليكن واقعك للتقدم هو مرضاة الله، وليس لأن يكون ابنك أفضل من فلان، وعوده دائماً على التشجيع، ولا تتوقع منه الكمال، واعلم أن كثرة الكلام –أحياناً- لا تؤتي أكلها، في حين تجد أن الموعظة الحسنة والقدوة الطيبة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وهذا ما أدركه الصحابة من فعل النبي –صلى الله عليه وسلم- فيروي أحد الصحابة أن وائل بن مسعود – رضي الله عنه – يذكرنا كل خميس مرة . فقال له رجل يا أبا عبد الرحمن لوددت أن ذكرتنا كل يوم. فقال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أمِلَّكم، وإني أتخوَّلكم بالموعظة كما كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يتعهدنا بها مخافة السآمة علينا" متفق عليه.
وأخيراً أهديك هذه النصيحة:
غضب معاوية – رضي الله عنه- على ابنه يزيد فهجره، فقال له الأحنف: يا أمير المؤمنين أولادنا ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماء ظليلة، وأرض ذليلة، فإن غضبوا فأرضهم، وإن سألوا فأعطهم، ولا تكن عليهم قفلاً؛ فيملوا حياتك ويتمنوا موتك.
هذا أيها الأحباب جزء من كل مما كان يفعله النبي – صلى الله عليه وسلم- مع الناشئة، فحري بنا أن نقتدي به – صلى الله عليه وسلم- في تربية أبنائنا
وهذه عدة مواقف من سيرته العطرة - صلى الله عليه وسلم- مع الصغار
1. احترام وتقدير ذات الطفل:
وهذه من أهم الأمور التي يحتاج إليها الطفل دائماً، ويغفل عنها الآباء غالباً. فقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم- يُشعر الناشئة بمكانتهم وتقدير ذاتهم، فيروي أبو سعيد الخدري –رضي الله عنه– أن سعد بن مالك – رضي الله عنه – ممن استُصغِر يوم أحد، يقول - رضي الله عنه - إن الرسول – صلى الله عليه وسلم - نظر إليه، وقال: سعد بن مالك؟
قال: نعم بأبي أنت وأمي.
قال: فدنوت منه فقبّلت ركبته،
فقال : "آجرك الله في أبيك"، وكان قد قتل يومئذٍ شهيداً.
فقد عامله الرسول – صلى الله عليه وسلم- وعزّاه تعزية الكبار، وواساه في مصيبته بعد ميدان المعركة مباشرة.
فما أحوجنا جميعاً إلى احترام عقول الأطفال، وعدم تسفيهها، وتقدير ذاتهم واحترام مشاعرهم، وهذا يجعل الطفل ينمو نمواً عقلياً واجتماعياً سليماً إن شاء الله.
2. تعويد الطفل على تحمل المسؤولية:
وهذه ضرورة لا بد من تعويد الأطفال عليها، ونحن في أوقات فرضت الاتكالية والاعتمادية نفسها على الكبار والصغار سواء بسواء، فالمربي الواعي يساعد الناشئ على تنمية مفهوم إيجابي عن نفسه، يعينه مستقبلاً على تحمل المسؤولية.
فقد اهتم الرسول – صلى الله عليه وسلم- في بناء شخصية الناشئين من حوله، روى مسلم عن سعد الساعدي – رضي الله عنه- أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أتى بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام وعن يساره شيوخ،
فقال للغلام: "أتأذن لي أن أعطي هؤلاء"؟
فقال الغلام: لا والله لا أوثر بنصيبي منك أحداً".
وهكذا يعتاد الطفل على الجرأة الأدبية، فينشأ وفيه قوة رأي ورجاحة عقل، بعيداً عن روح الانهزامية والسلبية، وهذا يتنافى مع الحياء الذي فرضه الإسلام.
3. حاجة الطفل إلى الإحساس بالعدل في التربية:
وذلك من أهم عوامل الاستقرار النفسي، فلا يلهب الآباء الغيرة بين الأبناء، ولا يثيرون التنافس فيما بينهم بتفضيل بعضهم على بعض، وقد تكون من وجهة نظر الآباء يسيرة وبسيطة كالقبلة أو الابتسامة أو الاهتمام الزائد بتلبية حاجة واحد على الآخر، وتلبية رغباته في المأكل أو المشرب أو الملبس.
فعن النعمان بن بشير أن أمه - بنت رواحة - سألت أباه بعض الموهبة من ماله لابنها، فالتوى بها سنة ثم بدا له
فقالت: لا أرضى حتى تُشهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم- على ما وهبت لابني، فأخذ أبي بيدي وأنا يومئذ غلام. فأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إن أم هذا (بنت رواحة) أعجبها أن أشهدك على الذي وهبت لابنها، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- "يا بشير ألك ولد سوى هذا"؟
قال: نعم. فقال :" أكلهم وهبت له مثل هذا"؟
قال: لا .
قال : " فلا تشهدني إذاً، فإني لا أشهد على جور" وفي رواية قال: " أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء"؟
قال : بلى. قال النبي – صلى الله عليه وسلم : "فلا إذاً"
رواه مسلم.
4. حاجة الطفل للحنان والمرح
وهذه حاجة ضرورية للطفل وطبيعته ما دام ذلك في الحدود الشرعية، فلا يجب أن تسرف فيها؛ حتى لا يتعود الطفل على التدليل، ولا تقتر فيها؛ فيحرم الطفل من أهم حاجياته الطبيعية، فيكون معقداً أو يتولّد عنده الانطواء والخجل.
ومما رواه البخاري عن عائشة –رضي الله عنها- قالت: كنت ألعب بالبنات عند النبي – صلى الله عليه وسلم-، وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- إذا دخل يتقمَّعن منه، فيسرِّبهًن إليّ، فيلعبن معي.
وهكذا لا تحرم الناشئة من الحنان الطبيعي، والمرح الذي يجدد النشاط، على أن يكون ذلك متوازياً، يحفظ لهم شخصياتهم وتماسكهم الوجداني.
5. أنت أفضل معلم لطفلك
وليكن واقعك للتقدم هو مرضاة الله، وليس لأن يكون ابنك أفضل من فلان، وعوده دائماً على التشجيع، ولا تتوقع منه الكمال، واعلم أن كثرة الكلام –أحياناً- لا تؤتي أكلها، في حين تجد أن الموعظة الحسنة والقدوة الطيبة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وهذا ما أدركه الصحابة من فعل النبي –صلى الله عليه وسلم- فيروي أحد الصحابة أن وائل بن مسعود – رضي الله عنه – يذكرنا كل خميس مرة . فقال له رجل يا أبا عبد الرحمن لوددت أن ذكرتنا كل يوم. فقال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أمِلَّكم، وإني أتخوَّلكم بالموعظة كما كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يتعهدنا بها مخافة السآمة علينا" متفق عليه.
وأخيراً أهديك هذه النصيحة:
غضب معاوية – رضي الله عنه- على ابنه يزيد فهجره، فقال له الأحنف: يا أمير المؤمنين أولادنا ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم سماء ظليلة، وأرض ذليلة، فإن غضبوا فأرضهم، وإن سألوا فأعطهم، ولا تكن عليهم قفلاً؛ فيملوا حياتك ويتمنوا موتك.
هذا أيها الأحباب جزء من كل مما كان يفعله النبي – صلى الله عليه وسلم- مع الناشئة، فحري بنا أن نقتدي به – صلى الله عليه وسلم- في تربية أبنائنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق