ان إكرام الضيف خصلة من الخصال الحميدة ومن مكارم الأخلاق التي اتصف بها الأنبياء و المرسلون،ولا يتصف بهدا الخلق الا دو النفس الكريمة والطيبة ، ففي الجاهليه كان من عرف بحسن الضيافة عرف بعلو منزلته لدى قومه وحتى انهم ينقادون اليه .
سُئِلَ أحَدُهُم عنِ الكرمِ فقال:
"هو التبرُّعُ بالمعروفِ قبلَ السؤال، والرأفةُ بالسائلِ مع البذل"،
وحينما جاءَ الإسلامُ أضفى على الكرمِ مقايس جديدة، واتجه به
نحوَ مقاصدَ رفيعة وساميةٍ ، نجدها في القيمِ الروحية،
والمعاني الدينية، فلم يعدِ المضيف يرجو الفخرَ والثناء من
حسن ضيافته لضيفه او شهرة بين العشائر، وإنما غايتهُ
الوحيدة هي الثوابُ والجزاءُ من العلي القدير، يقولُ النبيُ - صلى الله عليه وسلم - :
((إنَّ اللهَ تعالى جوادٌ يُحبُ الجود، ويُحِبُّ معالي الأخلاقِ ويكرهُ سفسافها.
قال ابن حيان في اكرام الضيف:
"والعرب لم تكن تعدُّ الجودَ إلا قِرَى الضَّيف، وإطعام الطعام،
ولا تعدُّ السَّخيَّ من لم يكن فيه ذلك".
وحثَّنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على إكرام الضيف؛ فعن
أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فليُكرم ضيفَه" [رواه البخاري ومسلم].
وعن أبي شُرَيحٍ خُويْلد بن عمرو رضي الله عنه قال:
أبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعتْهُ أذناي
حين تكلم به، قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفَهُ جائزتَهُ"،
قالوا: وما جائزتُه؟ قال: "يومٌ وليلةٌ، والضيافة ثلاثة أيام،
وما كان بعد ذلك فهو صدَقةٌ عليه" [رواه البخاري ومسلم].
وفي رواية أخرى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"الضيافةُ ثلاثة أيام، وجائزتُه يوم وليلة، ولا يحل لرجل
مسلم أن يقيم عند أخيه حتى يُؤثمه" قالوا: يا رسول الله
وكيف يؤثمُهُ؟ قال: "يقيم عنده ولا شيء له يقْرِيه به" [رواه مسلم].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما:
"إن لزَوْرِك عليك حقًّا" [رواه البخاري ومسلم].
ويقر النبي صلى الله عليه وسلم سلمان الفارسي على قوله لأبي الدرداء:
"إن لضيفك عليك حقًّا" [رواه الترمذي].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم تبوك فقال:
"ما من الناس مثل رجل آخذ بعنان فرسه، فيجاهد في سبيل الله، ويجتنب شرور الناس، ومثل رجل في غنمه يقري ضيفَهُ ويؤدِّي حقَّهُ" [رواه أحمد في مسنده بإسناد صحيح].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني مجهودٌ ( المجهود من أصابه الجهد والمشقة والحاجة والجوع). فأرسل إلى بعض نسائه فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماءٌ. ثم أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك، حتى قلن كلهنَّ مثل ذلك: لا والذي بعثك بالحق.
فقال: "من يُضيف هذا الليلة رَحمه الله" فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله. فانطلق به إلى رحْلِهِ فقال لامرأته: هل عندك شيءٌ؟
قالت: لا إلا قُوتُ صِبياني. قال: فعلليهم بشيء، فإذا دخل ضيفنا فاطفئي السراج،
وأريه أنا نأكل، فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السِّراج حتى تُطفئيه.
قال: فقعدوا وأكل الضيف فلما أصبح غدا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
"قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة" [رواه البخاري ومسلم].
قال الشاعر:
أولئك قومٌ إن بنـوا أحسنـوا البِنَا *** وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدُّوا
وإن كانت النعماءُ فيهم جزَوا بها *** وإن أنعموا لا كـدَّروها ولا كـدُّوا
و من أبرز هذه الأمور حسن لقاء الضيف بإبتسامة تشعره بانك فرح لقدومه أولاً و السلام عليه سلاماً حارا و إشعاره بانك سعيد للقدومه و حضوره ولا تتجاهل حديثه أو تقاطعه أو تتركه و منفرداً لوقت طويل .
و من واجبات الضيافة أن ترحب بالضيف بين الحين و الآخر .
قد أرتبط كرم الضيافة بالعرب و من أشهرهم حاتم الطائئ وهده قصة من قصصه
قال رجل لحاتم : هل في العرب أجود منك ؟
قال : كل العرب أجود مني . ثم أنشأ يحدث ،
قال : نزلت على غلام من العرب يتيم ذات ليلة ، و كانت له مائة من الغنم ، فذبح لي منها شاة ، و أتاني بها ، فلما قرب إليّ دماغها ،
قلت : ما أطيب هذا الدماغ !
قال : فذهب فلم يزل يأتيني منه ، حتى قلت : قد اكتفيت .
قال : فلما أصبحنا فإذا هو قد ذبح المائة شاة ، و أبقى لا شيء له .
قال الرجل : فقلت له : ما صنعتَ به ؟
قال : و متى أبلغ شكره ، ولو صنعت به كل شيء ؟
قال : على ذاك .
قال : أعطيته مائة ناقة من خيار إبلي
ادن فعلى من نزل عنده ضيف ان يجود بالموجود حتى ولا يبخل عليه باي شي حتى لو بشق تمرة، وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن احتقارنا القليل.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
"يا نساء المسلمات، لا تحقرنّ جارةٌ لجارتها ولو فِرْسنَ شاةٍ".
وقال أيضًا رضي الله عنه: "خير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب ينقلب، فيطعمنا ما كان في بيته، حتى إن كان ليخرج العُكَّة
(وعاء من جلد يوضع فيه السمن والعسل)، ليس فيها شيءٌ فنشُقُّها، فنلعق ما فيها".
قال ابن حبان يرحمه الله: "يجب على العاقل ابتغاء الأضياف، وبذل الكِسَر؛ لأنَّ نعمة الله إذا لم تُصَن بالقيام في حقوقها، ترجع من حيثُ بدأتْ، ثم لا ينفع من زالت عنه التَّلهُّف عليها، ولا الإفكار في الظَّفر بها، وإذا رأى حقَّ الله فيها، استجلب النماء والزيادة، واستأخر الأجر في القيامة، واستصغر إطعام الطعام.
وقد سئل الأوزاعيُّ – رحمه الله – ما إكرامُ الضيف؟ قال: طلاقةُ الوَجْهِ، وطيبُ الكلام".
وسعى الاسلام إلى غرس القيمِ والمُثُلِ العُليَا في المجتمعنا،
فدعا كل منفق إلى الزُهدِ فيما بينَ يديه، وحثهُ على الإنفاقِ مما لديه، وورغبه فيما يحبه الله ، ولأنه سبحانه باقٍ خالدٌ لا يُضِيعَ أجرَمنْ أحسنَ عملا، قال تعالى: مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ، فإذا عرف المسلمُ
الحقيقةِ فإنه يتخلى عنِ الطمعِ بالدنيا، ويزهدُ بكل ما فيها،
ويتعلقُ بالآخرةِ ويطلبُ ثوابها وخيرها، فيتضاءلُ عندهُ الكثير،
فلا يياس على ما اعطى، ولا يفرحُ بما حصلَ وكسب،
فينفقُ بسخاوةِ نفس، وطيبِ سريرة، وطلاقةِ وجه.
قال الله سبحانه وتعالى – في إبراهيم خليل لما أنزل عليه الأضياف –
{فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذرايات:26].
وقال تعالى: {فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود:69].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلةٍ فإذا هو بأبي بكر وعمر فقال:
"ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟" قالا: الجوع يا رسول الله.
قال: "وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما، قوموا"،
فقاموا معه، فأتى رجلاً من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته،
فلما رأتهُ المرأة قالت: مرحبًا وأهلاً وسهلاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" أين فلان؟" قالت: ذهب يستعذب لنا من الماء. إذ جاء الأنصاري
فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ثم قال:
الحمدُ لله، ما أحدٌ اليوم أكرَمَ أضيافًا مني. قال: فانطلق فجاءهم
بعذق فيه بُسر وتمر ورطب، فقال: كلوا من هذه، وأخذ المُدية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياك والحَلُوب"، فذبح لهم، فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا.
لكي يتم المعنى الحقيقي لضيافة فلا بد من الفرح بمقدوم ضيفنا،
ونظهر دلك له بكلام والابتسام، وأن نكلمه بحسن الحديث، ونشكرَه على مجيئه عندنا، والقيام بخدمته باكمل وجه ,
نجد الشاعر يقول في الضيف
إذا المرءُ وافـى مـنزلاً منك قاصـدًا *** قراكَ وأرمَـتْهُ لديــك المسـالكُ فكن بــاســمًا فـي وجـهــه مُتـهــللاً *** وقل مرحبـًا أهلاً ويومٌ مباركُ وقــدم لـه مـا تستـطيــع مـن القِـرَى *** عجولاً ولا تبخل بما هو هالِكُ فـقـد قيــــل ببـيـتِ ســالــفِ مُتقــدّمِ *** تداولــــهُ زيـدٌ وعَمـرو ومالكُ بشاشةُ وجْه المـرء خيرٌ من القِرَى *** فكيف بمن يأتي و هو ضَاحِكُ
وقال آخر: الله يعلـم أنه مــا ســـرني *** شيء كطـارقـة الضيـوف النزل مازلت بالترحـيب حتـى خلتني *** ضيفـًا لهـم والضيف رب المنـزل
أخذها من قول بعضهم: يا ضيفنـا لو زرتنـا لوجـدتنا *** نحـن الضيـوف وأنت رب المنـزل
وقال سيف الدولة ابن حمدان:
مـنـزلنـا حـب لمــن زاره*** نحـن ســواء فيـه و الطـارق
وكل مـا فيـه حـلال لــه *** إلا الذي حــرمــه الخـالـق
قال ابن حبان يرحمه الله: "ومن إكرام الضيف طيبُ الكلام، وطلاقة الوجه، والخدمةُ بالنفس فإنه لا يَذِلُّ من خدَم أضيافه،
كما لا يعِزُّ من استخدمهم، أو طلب لِقرَاه أجرًا".
وقالوا: "من تمام الضيافة الطلاقة عند أوَّلِ وهْلَةٍ، وإطالةُ الحديث عند المأكلة".
وقال حاتم الطائي:
سَلِي الجـائـعَ الغَرْشـان يا أُمَّ مُنـذرِ
إذا ما أتـاني بَين ناري ومجْـزري
هل أبسطُ لـه وجُهي إنـه أولُ القِرَى
وأبـذل معـروفـي له دُونَ مُنْكَري
وقال آخر:
وإني لطلق الــوجـــه للمـبـتــغـي القِــرَى *** وإن فـنـائـي للقِـــرى لَرَحـيـــبُ
أضــاحـك ضَيـفــي قـبـل إنـزال رَحْـــلهِ *** فيخصـبُ عندي والمكانُ جديبُ وما الخَصْبُ للأضياف أن يكثر القِـرَى *** ولكنَّمـا وجُــهُ الكـريــم خصيـبُ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرم الناس لضيوفه،
فقد كان يعطي كل واحدٍ من ضيوفه نصيبَهُ، ولا يحسبُ ضيفُهُ أن أحدًا أكرمُ عليه منه.
قال الشاعر:
أتاك رســول المكْــرُمـات مسـلمًا *** يـريــد رســـول اللــه أعـظــمَ مُـتَّـقـي
فأقبل يسـعى في البساط فما دَرَى *** إلى البحر يسعى أم إلى الشمس يَرتقي
اما العبوس واظهار تضايقك، وعدم فرحك بضيفك ، وعدم مبالتك بضيفك – دليل الشُّحِّ ،
فقد قال احد الشعراء:
وللمـوتُ خيرٌ من زيارة باخلٍ *** يلاحظُ أطرافَ الأكيـلِ على عَمـدِ
وخلاصة القول
فمن ابتغى بكرمِ الضيافته الثناءِ له وطيبُ الذكرِه وحبِ الدنيا،
فيكرمُ ضيفه ليُمدح، وهذا الكرمُ مذمومٌ لانه بعيدٌ كل البعد عن الدين، لما يشوبهُ من الرياء، وهدا النوع يُذهبُ حب العطاء والاكرام ، وقيمةِ البذلِ والسخاء، وقد حذرَ الإسلامُ المسلمينَ من الانزلاقِ إلى هده هاوية ^الرياء^، لأنها تدهب ثوابَ الصدقة، لقوله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ),
وقد يكونُ من دواعي هدا الكرم استجلابُ منفعة، أو دفعُ مضرة، فيضطرُ إلى اصطناعِ المعروف، لكي يحصل على مراده او أمنيته، وهذا ليس خالصاً للهِ تعالى، يقولُ سبحانه :
قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق