الأحد، 26 أكتوبر 2014

حكم قراقوش






مــن هــــو قــراقـــــوش؟

    قراقوش ذلك المسكين الذي صار على ألسنة الناس في كل زمان وكل بلد مثلا يضرب لكل حاكم فاسد ، فكلما أراد الناس أن يصفوا حكماً بالجور والفساد قالوا هذا حكم قراقوش .
    وهم يحرفون إسمه فوق تحريف تاريخه فيقولون قراقاش بدل قراقوش وقراقوش معناها بالتركية( النسر الأسود ) قوش:نسر، قرا:أسود.
    إن قراقوش له صورتان صورة تاريخية صادقة وصورة روائية صوَرها عدو له من منافسيه والعجيب أن الصورة التاريخية الحقيقية طمست ونسيت والصورة الخيالية الباطلة بقيت وخلدت فلا يذكر قراقوش إلا ذكر الناس هذه الحكايات العجيبة وهذه الأحكام الغريبة التي نسبت إليه وافتريت عليه.

    فـمــن هــــو قــراقـــــوش؟

    قراقوش هو أحد قواد بطل الإسلام صلاح الدين الأيوبي كان من أخلص أعوانه ومن أقربهم إليه وكان قائداً مظفراً وكان جندياً أميناً وكان مهندساً حربياً منقطع النظير وكان مثالاً كاملاً للرجل العسكري فإذا تلقى أمراً أطاع بلا معارضة ولا نظر ولا تأخير وإن أمر أمراً لم يرض من جنوده بغير الطاعة الكاملة بلا اعتراض ولا نظر ولا تأخير.
    وكان أعجوبة في أمانته لما أحس الفاطميون بقرب زوال ملكهم شرعوا يعبثون بنفائس القصر ويحملون مايخف حمله ويغلو ثمنه وكان القصر مدينة صغيرة كدَس فيها الخلفاء الفاطميون  (كذا يدعوهم الناس وليسوا على التحقيق من الفاطميين)    خلال قرون من التحف والكنوز والنفائس مالا يحصيه العد ولو أن عشرة لصوص أخذوا منه ماتخفي الثياب لخرج كل منهم بغنى الدهر ولم يحس به احد.
    فوكل صلاح الدين قراقوش بحفظ القصر فنظر فإذا أمامه من عقود الجواهر والحلي النادرة والكؤوس والثريات والبسط المنسوجة بخيوط الذهب مالا مثيل له في الدنيا هذا فضلاً عن العرش الفاطمي الذي كان فيه من أرطال الذهب ومن نوادر اليواقيت والجواهر ومن الصنعة العجيبة مالا يقوَم بثمن.
    وكان في القصر فوق ذلك من ألوان الجمال في المئات و المئات من الجواري المتحدرات من كل أمم الأرض ما يفتن العابد.
    فلا فتنه الجمال ولا أغواه المال ووفى الأمانة حقها ولم يأخذ لنفسه شيئاً ولا ترك أحداً يأخذ منها شيئاً.
    وهو الذي أقام المنشآت الحربية التي تمت في عصر صلاح الدين وإذا ذهبتم إلي مصر وزرتم القلعة المتربعة على المقطم المطلة على المدينة فعلموا أن هذه القلعة بل المدينة العسكرية أثر من آثار قراقوش.
    وإذا رأيتم سور القاهرة الذي بقي من آثاره إلي اليوم ما يدهش الناظر فاعلموا أن الذي بنى السور وأقام فيه الجامع وحفر البئر العجيبة هو قراقوش.
    ولما وقع الخلاف بين ورثة صلاح الدين وكادت تقع بينهم الحروب ما كفهم ولا أصلح بينهم إلا قرقوش.
    ولما مات العزيز الأيوبي وأوصى بالملك لأبنه المنصور وكان صبياً في التاسعة من عمره جعل الوصي عليه والمدبر لأمره قراقوش فكان الحاكم العادل والأمير الحازم أصلح البلاد وأرضى العباد.
    هذا قراقوش فمن أين جاءت تلك الوصمة التي وصم بها؟ ومن الذي شوه هذه الصورة السوية؟؟
    إنها جريمة الأدب ياسادة.
    لقد أساء المتنبي إلي كافور فألبسه وجهاً غير وجهه الحقيقي وأساء ابن ممَاتي إلي قراقوش فألبسه وجهاً غير وجهه الحقيقي.
    ولم يعلم الناس من الإثنين إلا هذا الوجه المعار كوجوه الورق التي يلبسها الصبيان أيام العيد.
    وابن ممَاتي هذا كاتب بارع وأديب طويل اللسان كان موظفاً في ديوان صلاح الدين وكان الرؤساء يخشونه ويتحامونه ويتملقونه بالود حيناً وبالعطاء أحياناً.
    ولكن قراقوش وهو الرجل العسكري الذي لا يعرف المدارة لم يعبأ به ولم يخش شرَه ولم يدر أن سن القلم أقوى من سنان الرمح وأن طعنة الرمح تجرح الجرح فيشفى أو تقتل المجروح فيموت أما طعنة القلم فتجرح جرحاً لا يشفى ولا يريح من ألمه الموت.
    فألف ابن ممَاتي رسالة صغيرة سماها ( الفافوش في أحكام قراقوش ) ووضع هذه الحكايات ونسبها إليه وصدقها الناس ونسوا التاريخ,,

    من كتاب رجال من التاريخ
    للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله   


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ألعاب زمان

قد يستحقر البعض أساليب اللعب زمان . ولكن بشئ من الإنصاف يمكن أن نعدد من المزايا التى فى تلك الألعاب بما يصعب حصره . وهنا نترك لكم ف...